يحاول الرئيس ترامب سحب القوات الأمريكية من جميع مسارح العمليات الحربية الخارجية المنخرطة فيها. ويبدو أنه لا يتصرف بدافع النزعة القومية، بل انطلاقاً من مخاوف مالية. لذلك وافق على نشر جنود في المملكة العربية السعودية، شريطة أن تدفع لهم الرياض أجوراً مجزية، مماثلة لما تدفعه للمرتزقة.
كان يأمل حلف الناتو أن يصبح، في سياق العولمة حلفاً عالمياً، ليس فقط ضد خصمه الروسي، ولكن أيضاً ضد الصين. وعندما أعلنت إدارة أوباما أن القوات الأمريكية ستغادر الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى ("المحور نحو أسيا")، اعتزمت الولايات المتحدة أيضاً مغادرة أوروبا لمتابعة التحرك إلى الشرق الأقصى . لكن سرعان ما تخلت عن ذلك المشروع، الباهظ التكاليف، كما قيل في ذلك الحين.
بيد أن فرصة أخرى بدأت تلوح لهم في الأفق، هذه المرة على خلفية الزيادة في الإنفاق العسكري الأوروبي الذي طلبه الرئيس ترامب. وهكذا لن تبقى القوات الأمريكية إلا في البلدان التي تدفع لهم أجور بقاء تلك القوات، أما رحيل القوات الأخرى فسوف يجري تعويضها من خلال إنشاء قوات أوروبية جديدة. وفي هذه الحال سيغدو ممكناً إرسال قوات أوروبية تحت قيادة الناتو، لتحل محل القوات الأمريكية المنسحبة من الشرق الأوسط.
ألمانيا تتلهف للعب دور من جديد على الساحة الدولية، بعد أن حرمت منه إثر الهزيمة النازية. وقد وضع فولكر بيرتس الذي يرأس مركز أبحاث الحكومة الألمانية، خطة تمدد الحلف الأطلسي في وقت سابق من عام 2013.
وهنا لابد أن نتذكر أنه، هو الرجل نفسه الذي صاغ خطة الاستسلام التام وغير المشروط للجمهورية العربية السورية بتكليف من جيفري فيلتمان، رئيس الدائرة السياسية في الأمم المتحدة.
وفي الواقع، تعكف برلين منذ عدة سنوات على دراسة طريقة تمكنها من لعب دور عسكري على الساحة الدولية، من دون الحاجة إلى إعادة تسليح جيشها على نطاق واسع.
وفي عام 2017، دعا مركز أبحاث الحكومة الألمانية إلى تولي القيادة الأوروبية داخل حلف الناتو بدلاً من المملكة المتحدة، وفرنسا. وبالنسبة له، يكفي تقليد سلوك الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها خلال السبعين سنة الماضية، من خلال قيادة المهام العسكرية لمختلف الدول الأوروبية. لكن المشاكل السياسية الداخلية لحكومات ميركل المتعاقبة، أدت إلى تأخير هذه الإستراتيجية.
ألمانيا، التي لم تنس قط دور الإمبراطور غليوم الثاني في المنطقة العربية قبل الحرب العالمية الأولى، تستعد الآن لعقد مؤتمر في برلين لرسم مستقبل ليبيا.
وعلى الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، أقترح الرئيس ترامب في 9 كانون ثاني من العام الجاري، تمدد الحلف الأطلسي ليشمل الشرق الأوسط على نطاق أوسع، تحت مسمى "ناتومي". وقد يكون هذا أحد الأسباب التي دفعته لاغتيال الجنرال قاسم سليماني في العراق.
وهي في الواقع، فكرة جديدة ومختلفة كلياً عن فكرة الحلف الاستراتيجي للشرق الأوسط (MESA) التي أعلن عنها الرئيس السابق أوباما في سياق عقيدة الأمن القومي الأمريكي لعام 2015، والتي أقرتها الجامعة العربية في حينها أثناء انعقاد قمتها في شرم الشيخ.
وتأسيساً غلى ذلك، قام الرئيس ترامب بجس نبض السعودية حول فكرته في عام 2018، والتي تتمحور حول إنشاء شرطي شرق أوسطي تحت قيادة واشنطن، على غرار حلف بغداد، إبان الحرب الباردة.
لكن، وعلى عكس كل الأطروحات السابقة، يجري الحديث اليوم عن جنود أوروبيين لفرض السلام الأمريكي "باكس أمريكانا" على المنطقة برمتها.