ما يحلم به المطالبون بمحاكمة الأجهزة بدأ يتحقق بعد أحداث الأمس في لبنان، وهذا الحلم الذي يعتبره البعض بداية لزمن جديد مازال يسبح في فضاء التحقيق، وربما في مساحة "الحلم" السياسي ليس في لبنان بل أيضا في شرقي المتوسط إجمالا.

ولكي لا نستبق النتائج أو نحاول خداع أحد كما تقوم به بعض التحليلات السياسية، فنحن لا نعرف مدى مسؤولية الأجهزة في قضية اغتيال الرئيس الحريري، لكن ما يهمنا شعار "محاسبة الأجهزة" وما ينتظره حماة هذا الشعار في المستقبل. وبالطبع فإن المقصود بالأجهزة هو الجهاز الأمني، ولكن التحديد يتسع قليلا، أو ربما كثيرا، فيشمل جغرافية تدخل فيها سورية، ومرحلة الزمنية من ضمنها اتفاق الطائف.

محاسبة الجهاز الأمني كما يبدو في التصريحات هي محاسبة من نوع خاص لأن الأمر يتعدى الإقالة أو حتى التعامل مع جريمة سياسية، فهي محاسبة لطرح الشكوك أكثر من كونها إظهار الحقائق .. والشكوك مرتبطة بواقع كان قائما لفترة وهو لا يقتصر على لبنان. هذا الواقع الذي يحمل أخطاءه لا يتعلق فقط بالوجود السوري في لبنان، فهو متشابك مع الجغرافية – السياسية وما يمكن أن يحدث لها. فإذا كان ميليس يريد التحقيق فإن شعار محاكمة الأجهزة هو في النهاية اعتراف افتراضي بجغرافية – سياسية جديدة ستقوم على حساب القديمة.

قضية التحقيق في اغتيال الحريري لن تكشف حقائق حول من نفذ وما غرضه فقط، لأن شعار "الأجهزة" يسعى لمهمة أكبر وربما أصعب. واغتيال الرئيس الحريري بذاتها تشبه في نموذجها الاغتيال الذي سبق الحرب العالمية الأولى، فهي تتجاوز الاغتيال باتجاه مساحات من التبديل بغض النظر عن نتائجه.

ربما ليس من المتوقع اندلاع حرب عالمية بعد اغتيال الحريري، أو حتى حرب أهلية، لكن ما حدث هو حرب على التكوين السياسي ليس بهدف استبداله بل نسفه بالكامل. والمرحلة القادمة مسؤول عنها الجميع: من يؤجج الحرب القبلية أو من يتشفى بانحسار سياسات، أو من يريد لرؤيته أن تنتصر على حساب الجميع.

بانتظار نتائج التحقيق فإن نتائج الحدث تتحقق بشكل سريع ... وتفتيت المنطقة لن يكون على نموذج "سايكس – بيكو" كما يحلو للبعض أن يتحدث، فالسياسة الدولية تجاوزت آلياتها القديمة، والتفتيت اليوم هو "الشك" واختلاق افتراضات سياسية بغض النظر عن المسؤولية الجنائية، وهو اليوم تحقيق "الخوف" الاجتماعي بدلا من التقسيم السياسي ....