أقل ما تقوله واشنطن عن سورية حالياً انها في «ورطة»، وذلك في تعليقها على تطورات التحقيق الدولي في اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري. علماً ان الادارة الاميركية تحاول ان تبتعد عن الواجهة كي لا تتهم بالتدخل في التحقيق. ويبدو ان السياسة السورية تشعر بهذه الورطة، ليس من باب اتهامها بدور في الاغتيال ما لم يعلن التحقيق ذلك صراحة، وانما من باب ان كل ما فعلته في لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية تبخّر في اللحظة التي وجهت لجنة التحقيق الدولية ومعها القضاء اللبناني الشبهة الى ادوات نفوذها وسياستها السابقة في بلد الارز.

لقد اجبر القرار الدولي الرقم 1559 سورية على سحب قواتها من لبنان، وهو قرار سابق على اغتيال الحريري ومضاعفاته. لكن الاسراع باستجابة مضمون القرار، عكس القلق من صعوبة المواجهة مع القرارات الدولية. خصوصاً ان وضع الامم المتحدة يدها على الوضع اللبناني، مع التمديد والاغتيال والانتخابات البرلمانية، كان بمثابة إشعار للسياسة السورية ان وكالتها في لبنان انتهت صلاحيتها وان الورقة التي طالما اعتمدتها لم تعد صالحة للاستخدام.

والعراق الذي كان، قبل الاحتلال، مورداً مالياً وسياسياً مهماً لدمشق، لم يعد قاسماً مشتركاً تستطيع عبره سورية رعاية علاقات عربية، لأن الوضع العراقي خرج من القدرة العربية على التأثير به، ولا يبدو ان السلطة الحالية في بغداد في وضع يسمح لاي بلد عربي ان يجد متنفساً سياسياً في العراق. وذلك بعدما تكاد اسرائيل ان تنجز انسحابها من قطاع غزة، وهي خطوة شدت اليها كل الاهتمام في الوقت الذي أفهم شارون كل من يريد ان يفهم انه لا يرى اي فرص لمعاودة الكلام عن المسار السوري.

ولذلك، تجد السياسة السورية نفسها حالياً من دون الوظيفة الاقليمية التي ساعدت النظام على فرض الاستقرار الداخلي. وربما تكمن الورطة في هذا الجانب بالذات من الوضع السوري الراهن. اذ لم يكن ممكناً ان ينجح «الحصار» الاميركي المدروس في منع سفر الرئيس بشار الاسد الى نيويورك، لولا «الحصار» الاقليمي الذي كان اغتيال الحريري، ولأسباب شتى، بوابته الاخيرة.

وفي مثل هذا الوضع، يمكن التساؤل عما تبقى من مقومات السياسة السورية السابقة وادوات تحقيقها. كما يمكن التساؤل عن صمامات الامان التي يمكن ان تقي النظام في المرحلة المقبلة، خصوصاً اذا اتجه التحقيق الدولي باغتيال الحريري في اتجاه التسريبات الحالية.

وبالمقارنة مثلاً، استطاع النظام الليبي في مرحلة العقوبات الدولية ان «يشتري» من عوائد نفطه كسر الحصار وان يتعايش مع مراحل الهجوم عليه قبل ان يعقد صفقة التخلي عن اسلحة الدمار الشامل، وبعدما تمكن من تحمل التبعات الداخلية لتفجير لوكربي ومحاكمة اثنين من رجال استخباراته. واستطاع النظام اللبناني الاستمرار، رغم التعارض بين رئيس جمهوريته والحكومة، ورغم اعتقال الاعمدة الاساسية لاجهزته الامنية. استطاع التعايش مع الازمة، وربما في اتجاه تخطيها، بفعل عمل المؤسسات خصوصاً القضاء الذي يوفر له النظام استقلالية تتيح التحرك في كل اتجاه عندما يتحرر من الضغوط. فلم يتأثر النظام باعتقال اربعة من قادة الاجهزة الامنية ولا بالاستجوابات الكثيرة لمدنيين وعسكريين.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)