تؤكد تقارير القتل اليومي في العراق، ان عراقيين يسقطون قتلى وجرحى من جراء الانفجارات والتفجيرات، وآخرين من القتلى والجرحى يسقطون بقذائف الاحتلال في اليوم نفسه، وتضيف تقارير أخرى، ان اعتقالات ومداهمات في أنحاء مختلفة من العراق أدّت إلى اعتقال العديد من العراقيين، وكله يضاف إلى ما تتضمنه تقارير عن عمليات خطف واغتيال، تمت بحق أشخاص مختلفين في مناطق مختلفة.

وترسم هذه المعلومات الملامح الأهم في الصورة الدموية للحياة العراقية، وتكاد تتكرر يومياً في التقارير الاخبارية التي تتناول حال العراق بعد عامين ونصف العام في ظل الاحتلال، وهي جزء من تفاصيل أخرى في صورة العرق تحت الاحتلال لا تقل بشاعة عن صورة الدم التي ترسمها تقارير أخبار القتل والخطف والدمار.

والأبرز في تفاصيل صورة العراق تحت الاحتلال، يبدو في التدهور والتردي السياسي الذي يعيشه العراق. وهو تدهور عام يظلل الواقع السياسي، حيث الانقسام إلى سلطة ومعارضة، وثمة انقسام أو انقسامات داخل كل واحدة منها، تقود إلى انقسامات باتجاه أصغر الوحدات السياسية، التي ربما تصل إلى مستوى الكادر السياسي الواحد.

ففي المستوى المحسوب على السلطة، ثمة كثير من الانقسامات بحيث ينقسم الحاكمون إلى كتل وجماعات قومية وسياسية ومذهبية، كما ينقسمون إلى شيع داخل انقساماتهم تلك، مما منع اتفاق الأطراف على مشروع الدستور العراقي الذي بات إقراره إحدى ضرورات الحكومة الحالية، وواحدا من متطلبات السياسة الاميركية في العراق، وقد أكدت مساعيها وعملت بكل الجهد من اجل إقرار الدستور بالسرعة القصوى.

وانقسامات السلطة وتشتتها يوازيه انقسام مماثل في صفوف معارضيها من حيث انقساماتهم القومية والسياسية والمذهبية، بل ان الأخطر في انقسامات هؤلاء موقفهم من العنف الدموي، حيث يذهب بعضهم إلى حد تبني العنف ودعمه وتبرير القيام به إلى أقصى الحدود، وثمة من يعارض ذلك في صفوف معارضي السلطة العراقية الحاكمة، فيؤكد على الطابع السلمي للعمل السياسي، داعياً للمشاركة في الحياة العامة.

ويجد الانقسام والتشتت السياسي الذي يعكس أزمة في إدارة الحياة العامة نسقاً موازياً في الحياة الاقتصادية لعراق مدمّر البنى ومعطل الفعاليات والأنشطة حيث البنى التحتية تعمل في حدود دنيا نتيجة الواقع السياسي وبفعل غياب الأمن، ونقص الكهرباء وخراب الطرق، فيما القطاعات الاقتصادية وخاصة الإنتاجية ومنها قطاع النفط، تعاني مشاكل لا حلول لها، وكله ينعكس تدهوراً في حالة الاقتصاد العراقي وحال الإنسان العراقي، فتزداد معدلات البطالة، وقد تجاوزت الخمسين بالمائة من قوة العمل، فيما ارتفعت نسبة الفقر لتطال أكثر من نصف العراقيين، كما تذهب التقديرات، ويترتب على أوضاع كهذه تنامي كثير من الظواهر المرضية والإجرامية التي كانت بعيدة وغريبة عن المجتمع العراقي وقيمه الاجتماعية والأخلاقية.

لقد أشارت مصادر رسمية إلى ان التعليم في العراق يشهد زيادة غير طبيعية في اعداد الطلبة المتسرّبين من المدارس وخاصة الابتدائية بسبب الأوضاع التي يمر بها العراق وخاصة من الاناث، ويرتبط تسرب طلبة المدارس بكافة مستوياتهم بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق وتدهور المستوى المعيشي للأسرة، إضافة إلى ارتفاع معدلات عبء الإعالة، ما يضطر كثير من الطلبة إلى تأجيل دراستهم أو التخلي عنها لغرض العمل.

ويتوافق مع تدهور الوضع التعليمي وما يؤدي إليه من تزايد الأمية في بلد كان قد تجاوزها في سبعينات القرن الماضي، تدهور في أوضاع العراقيات، وقد لاحظت هوزان محمود ممثلة "المنظمة من أجل حرية النساء في العراق" في حديث لها عن الدستور المطروح للتصويت في العراق، ان العراقيات "لا يحظين حالياً بحقوقهن"، و "ان الدستور الجديد الذي تجري صياغته حاليا لن يبدل الأمر"، وقالت محمود ان النساء يتعرضن اليوم لعنف قوي، لافتة إلى وجود جماعات سياسية وأحزاب "تتذرع بالاحتلال لإرهاب المجتمع وإرهاب النساء وقطع رؤوسهن وقتلهن وإرغامهن على وضع الحجاب". وقالت مؤكدة "كل هذا يحصل اليوم في العراق".

عراق الاحتلال كما تبدو صورته البسيطة، هو عراق الصراعات والتناقضات المتعددة، وهو عراق القتل والاختطاف والخلافات السياسية والدمار الاقتصادي والاجتماعي والفقر والبطالة والأمية واضطهاد النساء، ولهذا كله ربما يكون بين أولى مهمات العراقيين الخروج من أسر الاحتلال، ليس فقط بحثاً عن الحرية والاستقلال بل من أجل البحث الجدي والعمل لمعالجات لمشاكل العراق التي وإن لم يكن الاحتلال قد خلفها جميعاً فلا شك انه فاقمها وجعلها تدخل في قائمة المتواليات الهندسية في تصاعدها، وكله يجعل من إنهاء الاحتلال التحدي الاول للعراق المحتل، وبعده تتوالى التحديات الأخرى.

مصادر
المستقبل (لبنان)