انشغلت لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في اليومين الأخيرين وتحديداً اول من امس لدى انتقال رئيسها القاضي الألماني ديتليف ميليس الى دمشق، في تطويق ردود الفعل السلبية الناجمة عن «حرب الإشاعات» التي استهدفت الوضع الصحي للمدير العام السابق للأمن العام اللواء الركن جميل السيد ولمدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني العميد ريمون عازار.

وفي دمشق قال خبير قانوني سوري رفيع المستوى لـ «الحياة» امس ان «ليس هناك أي داعٍ حتى الآن» لتوقيع مذكرة تفاهم بين سورية وسلطتها القضائية والامم المتحدة في شأن التعاون مع فريق ميليس، معرباً عن الاعتقاد بعدم «توفر أي دليل قاطع» لدى الاخير وان كان لا يستبعد احتمال «الخدعة والمناورة كما يجري في أي تحقيق» وصولاً الى «الاستخدام السياسي». واعتبر ان لا ضرورة لوجود محققين من دول عربية لدى لقاء ميليس مع الشهود لأن «التحقيقات ستنشر علناً وبالتالي فان الناس ستعرف ما اذا كان هناك دليل قاطع ام لا».

وكان الخبير القانوني يتحدث بعد اتفاق ميليس يوم اول من امس مع المستشار القانوني في وزارة الخارجية السورية رياض الداودي على «اجراءات الاستماع الى شهادات المسؤولين السوريين». واوضح انه «كان ضرورياً توقيع مذكرة التفاهم في لبنان، لأن الجريمة وقعت هناك وكان لا بد من تحديد آليات الاتهام والادانة والعلاقة مع القضاء اللبناني. اما سورية فتتعاون بموجب الفقرة السابعة من القرار الدولي 1595 الذي يطلب من جميع الدول التعاون. وبحكم انه كان لسورية وجود امني وعسكري هناك وقت وقوع الجريمة». وزاد :»ان ميليس قال انه يريد الاستماع الى شهادات مسؤولين سوريين بصفتهم شهوداً وليس مشتبهاً بهم، وبالتالي فليس هناك أي داع حتى الان لتوقيع مذكرات تفاهم» مقترحاً: «عدم استباق المستقبل والبحث في الاحتمالات». لكنه لاحظ ان «الظروف المحيطة غير مريحة، سواء في العراق او في فلسطين والوضع العربي العام، وان هناك من يدفع باتجاه الفوضى في المنطقة وخلط الاوراق». ونبه الى امكان خضوع التحقيق لـ «الاستعمال السياسي» من جانب اطراف دولية، قبل ان يشير الى ان «الطريق ستكون طويلة» والى احتمال ان تستغل هذه التحقيقات لـ «ممارسة المزيد من الضغوط على سورية».

التحقيقات

وفي بيروت علمت «الحياة» من مصادر وكلاء الدفاع عن السيد وعازار واللواء علي الحاج والعميد مصطفى حمدان ان المحققين الدوليين أبدوا انزعاجهم من تصاعد موجة «حرب الإشاعات»، على رغم انها لن تؤثر سلباً في سير جلسات الاستجواب للضباط الأربعة باستثناء تأثيرها المعنوي في عائلات المستهدفين الأربعة. ودفعت الإشاعات وكيل السيد المحامي اكرم عازوري الى إثارة هذه المسألة مع المحققين في حضور موكله، وذلك على هامش جلسة الاستماع التي خضع لها اول من امس امام لجنة التحقيق الدولية. وطلب تسجيل شكوى في المحضر في هذا الخصوص. وبحسب المعلومات، اعلم عازوري لجنة التحقيق انه يعد مذكرة خطية سيسلمها قريباً الى النيابة العامة التمييزية ويودع نسخة منها لدى اللجنة تتعلق بالإشاعات التي يروجها بعض وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية وبتحسين اوضاع الضباط الأربعة في سجنهم في رومية لجهة اعادة النظر بالتدابير المفروضة عليهم لدى استقبالهم افراد عائلاتهم في غرفة ملاصقة لمكتب مدير السجن حيث تتم المقابلة وقوفاً، وفي ظل كاميرات للتصوير.

وأبلغ عازوري المحققين الدوليين ان إحدى محطات التلفزة كانت اذاعت خبراً مفاده ان السيد ضرب رأسه بحائط غرفته في السجن وأنه اخذ يتوجه بالشتائم الى رئيس الجمهورية اميل لحود بحجة ان الأخير تخلى عنه، مشيراً الى ان الخبر اذيع في صورة عاجلة وأن هذه المحطة اكدت حصوله في الوقت الذي كان موكله يمثل امام لجنة التحقيق. كما وضع عازوري المحققين الدوليين في اجواء الخبر الذي كانت بثته المحطة ذاتها عن وفاة العميد عازار وهو في طريقه الى المستشفى بعد اصابته بعارض طارئ وهو في غرفته في السجن.

وإذ أبدى اعضاء فريق التحقيق، وبينهم محقق بريطاني الجنسية، انزعاجهم من تمادي البعض في نشر الإشاعات، فإن الأخير بادر الى تأمين هاتف خلوي للسيد وطلب منه الاتصال بعائلته، من اجل طمأنتهم الى وضعه الصحي. وبالفعل، اتصل السيد بزوجته وأولاده ووالدته مؤكداً لهم انه في وضع صحي جيد، طالباً منهم عدم الأخذ بالإشاعات.

لكن طمأنة السيد لأفراد عائلته لم تقف عند هذه الحدود فقد زاره ولداه مالك وسامر في سجن رومية والتقياه في مكتب قائد السجن مدة من الوقت وتحدثا معه في العموميات قبل ان ينتقلوا الى غرفة قسمت الى مربعين يفصل بينهما حاجز من الشبك الحديد في حضور ضابط من السجن. وأبدى السيد رغبة في معرفة ما تتناقله وسائل الإعلام عن توقيفه وعن سير التحقيقات الجارية معه، وكيف تتعامل معها، لكن ولديه لم يدخلا في التفاصيل، واكتفيا بالقول: «ماشي الحال، وما يهمنا في نهاية المطاف كشف الحقيقة ليكتشف الجميع انك بريء من كل التهم المنسوبة إليك». وتزامن خروجهما من مقابلة والدهما مع وصول زوجة العميد عازار، التي بدا عليها الإعياء جراء الصدمة التي اصابتها بعدما اشيع نبأ وفاة زوجها، لكنها تماسكت لحظة استعدادها لمقابلته على مدى اكثر من نصف ساعة. واطمأنت الزوجة الى الوضع الصحي لزوجها، من دون ان تعلمه بحقيقة ما كان اشيع عن وضعه الصحي، خصوصاً ان ادارة السجن وبناء لموافقة النيابة العامة التمييزية تسمح لعائلات الضباط الأربعة بإحضار الأطباء الخاصين بهم لمعاينتهم اضافة الى المعاينات الدورية التي يتولاها الطبيب العسكري المسؤول عن المستوصف التابع للسجن.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)