يشكل الفلسطينيون في سورية ولبنان حضورا سياسيا وديموغرافيا ملموسا ومهما في البلدين، لا يستمد حجمه فقط من عددهم الذي يصل قرابة مليون نسمة موزعين على البلدين، انما بالاضافة الى ذلك من امرين سياسيين آخرين، اولهما تشابك وجودهما في البلدين مع الاوضاع السياسية الداخلية، والثاني نتيجة حضورهما في اجمالي المعادلة الاقليمية والدولية المتعلقة بالصراع العربي - الاسرائيلي والنهايات المرسومة لحل القضية الفلسطينية.

ولأن اهمية الوجود الفلسطيني في سورية ولبنان على هذا النحو من الخطورة، فإن ثمة حراكا سياسيا متعدد الرؤوس باتجاههم وداخلهم، سواء اتخذ الحراك طابعه المباشر أو غير المباشر، وعلى هذا النحو يمكن ملاحظة اللقاءات التي عقدها الرئيس السوري بشار الاسد مع قادة الجماعات الفلسطينية في سورية أخيرا، وكذلك اللقاءات التي عقدت أخيرا بين قادة من الجماعات الفلسطينية في لبنان مع الزعامات السياسية والدينية اللبنانية.

وسبق هذه التحركات في سورية ولبنان، حراك من الداخل الفلسطيني باتجاه الجوار السوري - اللبناني. فزار كثير من الشخصيات الفلسطينية البلدين، وعقدت لقاءات في خطين احدهما مع القيادات السورية - اللبنانية كل على حدة، وآخر مع القيادات الفلسطينية المقيمة في البلدين على المنوال ذاته، وكان في قائمة الزوار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء احمد قريع وعدد من الوزراء والشخصيات السياسية.

وعلى رغم أن من الطبيعي، قيام ما تم القيام به سوريا ولبنانيا وفلسطينيا، غير أن حصوله في الظروف الحالية يعطيه دلالات أخرى، تربطه بما يحيط بالبلدين وبالفلسطينيين وبالمنطقة من ظروف وتحديات، وتجعله جزءا من حركة التعاطي مع تلك الظروف والتحديات، وخصوصا بعد التقارير الصحافية، التي تحدثت عن تنقلات فلسطينية من سورية عبر الحدود الى لبنان، وتحركات أخرى تجري في حدود المخيمات ومعسكرات الفلسطينيين في لبنان، ثم تصريحات فلسطينية متعارضة بشأن الوجود الفلسطيني في لبنان.

ففي المستوى السوري - اللبناني، هناك ظروف وتحديات داخلية واقليمية، تتضمن اضافة الى تداعيات الحرب في العراق، مشكلات حملها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وتفاعلاته في ضوء النتائج المرتقبة للتحقيق الدولي الجاري في القضية، وكلاهما يضاف الى تنفيذ "ما تبقى" من القرار الدولي 1559 وخصوصا ما اتصل منه بـ "نزع سلاح الميليشيات" في لبنان والمتضمنة في معنى القرار سلاح حزب الله اللبناني وسلاح الجماعات الفلسطينية في مخيمات لبنان، وهذه الظروف والتحديات، تمثل دافعا وحافزا في اعادة تشكيل بعض اجزاء المشهد السياسي وعلاقاته في سورية ولبنان عبر علاقات الجذب والتباعد بين الاطراف الداخلة في المشهد، والتي قد تكون على اعتاب تطورات محتملة، تحمل اخطارا جدية ومصيرية على نحو ما يبدو الامر في موضوع سلاح حزب الله.

والحال في المستوى الفلسطيني، يتضمن تحديات جدية ايضا. فاذا كان الفلسطينيون بحاجة الى وزنهم وحضورهم في سورية ولبنان من اجل دعم حركتهم السياسية بالداخل في مواجهة "اسرائيل" ومن أجل تحسين وضع السلطة في مواجهة أعباء ما بعد الانسحاب الاسرائيلي من غزة وشمال الضفة، فإن استنهاض وتعزيز وضع فلسطينيي سورية ولبنان مهم في سياق البحث عن مستقبل لهم يكفل حق العودة أو ضمانه في حدود تطبيع حياة الفلسطينيين في لبنان، ومعالجة اوضاعهم السياسية والاقتصادية والمعاشية.

إن قلق الفلسطينيين في سورية ولبنان، هو جزء من القلق العام الذي يلف البلدين والمنطقة في ضوء ما جرى ويجري من تطورات، وهو ما يجعل قياداتهم منقسمة ومترددة في خياراتها أكثر من أي وقت مضى، وهي محكومة بسؤال عما ينبغي القيام به، وعما اذا كانت ستدخل في سياق الحسابات الداخلية باعتبار الفلسطينيين جزءا من المعادلة الداخلية السورية - اللبنانية وباعتبارهم متأثرين بنتائجها في كل الاحوال. أم تبقي نفسها خارج المعادلة الداخلية باعتبار أن الوجود الفلسطيني في البلدين هو وجود مؤقت ومرحلي، وأنها غير معنية مباشرة بالاصطفافات الداخلية وتوازنات قواها، وخصوصا أن هناك إرثا غير مشجع في النتائج السلبية لدخول الفلسطينيين في الاصطفافات الداخلية كما حدث في الاردن ولبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

غير أن قدرة قيادات فلسطينيي سورية ولبنان في حسم الامر بين واحد من الخيارين المطروحين، تكاد تكون محدودة لظروف ذاتية وموضوعية، ولأن الاخذ بواحد من الخيارين سيكون جزءا من الانحيازات الجارية، وهو امر مرتبط بما ترتب على وجود الفلسطينيين في البلدين من تاريخ وعلاقات، سيظل يحكم سلوكياتهم ومواقفهم على نحو عام، وقليل من المعنيين، يمكن أن يفصل مثلا بين الوجود العسكري للفلسطينيين في لبنان وخصوصا معسكرات القيادة العامة وفتح الانتفاضة عن حلفاء وانصار سورية في لبنان، لكن هدف وجهد الفلسطينيين والمقربين منهم في سورية ولبنان، ينبغي أن يركز على ضمان ألا يتحول وضع الفلسطينيين في البلدين أو في واحد منهما إلى ما يشبه التردي الذي اصاب اخوانهم في العراق تحت الاحتلال الاميركي.

مصادر
الوسط (البحرين)