الأصدقاء الأعزاء،
السيدات والسادة،

يطيب لي أن افتتح أعمال هذا المنتدى، الذي ينعقد للسنة الثالثة في الدوحة. إن برنامج هذا العام حافل بالمحاور التي سيشكل استشرافها بدون شك خطوة وطيدة في العمل باتجاه حل المشاكل في علاقات أمريكا بالعالم الإسلامي.

أيها الأصدقاء،
تتناول محاور الحديث في المنتدى لهذا العام استعراض أحداث السنوات الخمس الماضية منذ هجمات 11 سبتمبر 2001م، والسعي لتحديد الرؤى في مختلف المجالات للسنوات الخمس القادمة لما ستكون عليه منطقة الشرق الأوسط. نحن مطالبون إذا باستشعار ما يحمله المستقبل القريب في طياته للعلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي، وهي مهمة غير يسيرة إذا أخذنا بالاعتبار سعة الساحة التي نتناولها والمجالات المختلفة والمتنوعة لطبيعة العلاقات. ضمن هذا الإطار، سوف يقتصر حديثي على تناول بعض النقاط الرئيسية ذات الأهمية الخاصة من المنظور السياسي.

في السنوات الخمس الماضية، كثر الحديث في منطقة الشرق الأوسط عن ضرورات الإصلاح وإقامة الديمقراطية والتنمية الشاملة، وتحفزت النشاطات لمكافحة التطرف والإرهاب بهدف توفير أسباب إشاعة السلم والأمن والاستقرار، وحصلت أحداث جسام تمثلت بحربين في أفغانستان والعراق، وتنامت الشواغل الدولية حول التسلح النووي، وبقيت الصراعات المزمنة في المنطقة تراوح مكانها بعيدا عن التسوية النهائية. وقد نختلف في آرائنا حول مدى التقدم المنجز في هذه المجالات، ولكن الثابت أن القصور أو الإخفاقات التي يشهدها سجل الأحداث، سواء في هذه الدولة أو تلك، أو المنطقة ككل، ليس هينا.
وفي الحديث عن الرؤية المختلفة لما سيكون عليه الشرق الأوسط بعد خمس سنوات، فإن رؤيتي المتواضعة تتمثل في بقاء القصور والإخفاق في المستقبل المنظور، الذي يحتمل أن يتفاقم، ما لم تتخذ المواقف الجادة والفعالة التي تنسجم مع ما ندعو إليه من أجل معالجة العلل التي تعاني منها المنطقة، ولو بدرجة نسبية معقولة. إن هذا الهدف، وكمبدأ عام، يفترض بالدرجة الأولى الاعتراف ببعض الحقائق التي تتعلق بالأوضاع الداخلية لدول العالم الإسلامي ومدى التأثيرات الخارجية في الماضي والحاضر على تكوين بنية العالم الإسلامي من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وغيرها. إن التسليم بهذه الحقائق كفيل بأن يحقق التغيير الإيجابي بالصورة التي ننشدها معا.

أيها الأصدقاء،
إن الأمثلة على ما أقول كثيرة، ولكنني أود الإشارة إلى مثال واحد قريب إذا كنا نطمح إلى إشاعة الديمقراطية، فإن المنطق يملي علينا أن نعترف بالنتائج التي تفضي إليها الممارسة الديمقراطية. من هذا المنطلق رحبت حكومة بلادي بالروح المسؤولة التي أبداها الشعب الفلسطيني أثناء سير عملية الانتخابات التشريعية، وأشادت بدور وجهود فخامة الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية لإنجاح العملية الانتخابية بكل شفافية. ولهذا نرى بأن من الواجب على المجتمع الدولي أن يتعامل مع نتائج هذه الانتخابات ويحترم إرادة الشعب الفلسطيني التي عبر عنها من خلال صناديق الاقتراع وبشكل ديمقراطي لا لبس فيه. كما قامت حكومة بلادي أيضا بدعوة حركة حماس إلى مواصلة العمل والسير في عملية السلام والإصلاح بما يحقق الأمن والرخاء والاستقرار للشعب الفلسطيني والمنطقة بأسرها. هذه هو منطق الديمقراطية الذي نريد جميعا إشاعته في المنطقة، وبالتالي فإن فرض الشروط المسبقة والتلويح بالإجراءات العقابية مع هذا المنطق قبل اختبار الواقع الفعلي.

إن التحديات التي تواجهنا في المنطقة، ولنا جميعا مصلحة حيوية مشتركة في التصدي لها، ستبقى إذا لم نبذل قصارى جهدنا من أجل تشجيع المزيد من العلاقات الإيجابية وتوفير الحلول المرضية للأطراف ذات العلاقة على أساس من السياسات المدروسة التي تستند على أوسع نطاق ممكن من الحوار والتشاور.
إن الشعور العام في العالم الإسلامي، كما نلمس، لا يتجسد بالعداء للولايات المتحدة لمجرد العداء. فليس في العامل الديني فكريا ما يبرر العداء لمجرد العداء، والإسلام معروف باعتماده لمبدأ التعارف والوسطية والاعتدال، ومن هنا ليس من الصحيح، ونحن نعمل لبلوغ مصالحنا المشتركة، أن يستهدف العالم الإسلامي بسبب الموقف الذي تتخذه بعض المجموعات لأسباب سياسية، وليست دينية أو حضارية،وهو موقف ينبع من أزمة فكرية ناشئة عن عدم القدرة على تكوين المعرفة الصحيحة عن الطرف الآخر ورسم السبل الإيمانية السوية للتعامل معه. كما إن علينا أن نعترف بان الأصولية والتيارات المتطرفة التي تنادي بالصراع بين الحضارات موجودة في جانبي أطراف هذا المنتدى، وبالتالي يكون الإصلاح الفكري وحتى المؤسساتي واجبا على الدول الإسلامية والقوى الفاعلة خارج إطار منظومة العالم الإسلامي معا لأنه موجود في الجانبين . وفي هذا الجانب علينا أن نبذل ما في وسعنا لمنع الاستفزاز وتأمين احترام جميع المعتقدات والمقدسات الدينية بدون تمييز وان لا نكيل بمكيالين ،على نحو ما شهدناه مؤخرا بشأن نشر الصور المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وبالصراحة الواجبة بين الأصدقاء، أرى لزاما على القول بان الشعور العام في العالم الإسلامي ينطوي على الإحساس بعدم الإنصاف لمصالح العالم الإسلامي وقضاياه الرئيسية، وفي المقدمة منها تسوية القضية الفلسطينية التي طال بها الأمد برغم القرارات والمرجعيات الشرعية الدولية المقبولة عالميا.

أيها الأصدقاء،
ما هي الإجراءات المطلوبة؟
سؤال كبير بلا شك، ولكن يمكن أن نحدد بعض الملامح للعمل الجاد المشترك.
بدءاً.. علينا السعي لخلق جو من التفهم المشترك من خلال الحوار الصريح والتشاور الدائم لكي يتيسر لنا التوصل إلى سياسات تخدم مصالح العالم الإسلامي والولايات المتحدة.
من هذه السياسات:
1. العمل بفاعلية ونشاط من اجل تسوية القضية الفلسطينية على أساس القرارات والمرجعيات الشرعية الدولية.
2. المساعدة في حل الأزمات والصراعات التي يعاني منها العالم الإسلامي بالموضوعية اللازمة التي تجعل من الحلول عناصر لإدامة السلم والأمن والاستقرار. ويسري ذلك بشكل خاص على الوضع في العراق، والوضع في المسألة اللبنانية، والمسألة النووية الإيرانية.
3. التعاون والمساعدة في التنمية الاقتصادية للدول في العالم الإسلامي لكي تتعزز أرضية البناء الديمقراطي.
4. دراسة أسباب الإحباط التي تؤول إلى خلق بيئة مواتية لارتكاب أعمال الإرهاب والتصدي للأعمال الإرهابية بسياسات وتدابير وقائية وعلاجية،التي قد لا تكون بالضرورة عسكرية صرفا.
5. وضع الخطط لتنفيذ حملات للتوعية والتعريف بما يزيل كل الشوائب الفكرية والتصورات الخاطئة من الفكر عن الطرف الآخر.
6. وضع الخطط العملية الفعالة لإشاعة الإعلام الموضوعي المسؤول وتشجيعه.
7. هذه بعض الأفكار الأولية أشير بها عليكم، وإنني على ثقة بان مناقشات المنتدى سوف تتناولها بالتفصيل اللائق بها.
وأشكركم.