بعد بزوغ الفجر بقليل في هذه المدينة الفنزويلية التي تزين جدرانها رسوم ثورية، اصطف نحو 300 من سكان المدينة للتدرب على المشية العسكرية تحت شمس حارة، وإلقاء التحية العسكرية أمام قائدهم. ويعد هذا الجيش غير النظامي، الذي يضم في صفوفه ممرضين وطلبة ومواطنين آخرين، واحداً من قوات الاحتياطي التي تتلقى التدريبات العسكرية عبر أرجاء فنزويلا، في إطار سعي الرئيس هوغو شافيز إلى إنشاء أكبر قوة احتياطية مدنية في أميركا اللاتينية.

وتقول "كارمن توفار"، وهي ممرضة في الخامسة والخمسين من عمرها انخرطت في التدريبات مع مجندي الاحتياط منذ عدة أشهر: "كنت دائماً إنسانة مسالمة ومازلت"، مضيفة "أما اليوم، فأنا مستعدة للدفاع بشراسة عن سيادة وطننا".

وتعد التدريبات العسكرية التي تجري هنا وفي مدن أخرى في نهاية كل أسبوع جزءاً رئيسياً من تصور شافيز العسكري، الذي تندرج في إطاره صفقات الأسلحة وتدريب ما لا يقل عن مليوني مواطن على خوض حرب العصابات، استعداداً لما يصر شافيز على أنه تهديد بالغزو من قبل الولايات المتحدة. ورغم أن المسؤولين في السفارة الأميركية بكاراكاس أعلنوا غير ما مرة ألا وجود لمخططات من هذا القبيل، إلا أن ذلك لا يبدو أنه أقنع شافيز، الذي تم خلعه لفترة قصيرة في انقلاب سنة 2002 بدعم ضمني من مسؤولي إدارة بوش.

وقد دخل الجانبان في حرب من الشتائم والإيديولوجيا التي بدأت تتطور إلى سياسة حقيقية، حيث أدرجت واشنطن فنزويلا الشهر الماضي ضمن قائمة الدول التي لم تتعاون مع الولايات المتحدة في إطار محاربة الإرهاب، مشيرة إلى علاقاتها الوثيقة مع كوبا وإيران، ومقررة تعليق بيع الأسلحة الأميركية إلى كاراكاس.

غير أن المسؤولين الأميركيين أقروا بأن تلك المبيعات كانت قليلة الأهمية أصلاً، في وقت بدأ فيه شافيز يولي نظره صوب مزودين جدد كالبرازيل وأسبانيا وروسيا بهدف اقتناء أسلحة مختلفة ابتداء بالبنادق وانتهاء بالطائرات القتالية وسفن المراقبة. وفي هذا السياق، أعلن الأميرال "أورلاندو مانيليا"، وزير الدفاع الفنزويلي، في وقت سابق من هذا الشهر، وصول 30000 بندقية كلاشنيكوف من روسيا، في إطار صفقة بقيمة 54 مليون دولار تم الاتفاق عليها العام الماضي وتقضي باقتناء 100000 بندقية.

ولئن كان المحللون العسكريون يرون أن تطوير فنزويلا لترسانتها الحربية لا يخرج عن المألوف مقارنة مع مبيعات الأسلحة في البلدان المجاورة، فإن الولايات المتحدة ردت على نحو ينمُّ عن قلق وانشغال كبيرين، حيث حالت دون شراء فنزويلا طائرات عسكرية من أسبانيا والبرازيل عبر عدم منح تراخيص التصدير التي تسمح بتحويل مكونات الطائرة التي تصنع في الولايات المتحدة. وكان من نتائج ذلك أن هدد شافيز باللجوء إلى الصين أو روسيا.

داخلياً، يقدم الزعيم الفنزويلي هذه الخطوات على أنها نوع من الاعتداء من قبل إدارة بوش التي تدنت شعبيتها. ويرى المنتقدون أن مخططات إعداد الجنود الاحتياطيين تخدم أهدافاً استراتيجية وسياسية بالنسبة لشافيز، في حين أنها تصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية مثل جرائم العنف. وفي هذا السياق، يقول "ألبيرتو غاريدو"، المحلل العسكري في كاراكاس، إن شافيز يستوحي من حركة التمرد في العراق كيفية الرد على هجوم قد تشنه الولايات المتحدة، التي يقول شافيز إنها تتطلع إلى نفط فنزويلا، الذي يعد أكبر احتياطي خارج الشرق الأوسط.

ويجري تدريب المدنيين عبر أرجاء فنزويلا معظم أيام السبت صباحاً، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى وجود 100000 متدرب احتياطي. وتتراوح أعمار المتدربين في "سوا"، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 120000 نسمة وتقع على بعد نحو 24 ميلاً إلى الجنوب من كاراكاس، ما بين 18 و74 عاماً. وفي حين كان البعض تواقاً إلى الإعراب عن تأييده لدعوة شافيز للاستعداد لغزو، صرح آخرون بأنهم سعداء بالمنحة الصغيرة التي يتلقونها يومياً (نحو 7.40 دولار) مقابل الحضور من أجل المشي والقيام بحركات رياضية تسخينية. ويرى المنتقدون في برنامج تدريب المدنيين وسيلة بالنسبة لشافيز لإنشاء قوة موازية موالية له خارج الجيش النظامي، الذي شاركت بعض قواه في انقلاب 2002، مع استعمال الولايات المتحدة كبعبع.

ويقول "فرناندو أوتشوا"، وزير الدفاع السابق: "إن فنزويلا بلد مسالم لم يخض حرباً منذ أكثر من قرن، وبالتالي فمن الصعب رؤية الفنزويليين يقاتلون بمثل الشراسة التي يشهدها العراق". ومع ذلك، يقول "أوتشوا" إن الولايات المتحدة أرسلت أحياناً إشارات تبعث على الإزعاج، مثل انتشار 6500 عسكري أميركي مؤخراً في الكاريبي مدة شهرين من أجل تمارين بحرية.

وكانت واشنطن أعلنت أن الهدف من هذا الانتشار العسكري التركيز على تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، غير أن شافيز رأى فيها تهديداً لبلاده، وهدد، بعيد انطلاق التمارين البحرية في شهر أبريل، باستعمال آخر سلاح في حوزته، ألا وهو احتياطي فنزويلا من النفط، قائلا إنه سيستوحي من العراق فكرة تفجير حقول النفط بهدف إحباط أي هجوم أميركي محتمل. والواقع أن فنزويلا ما زالت تعد ثالث أكبر مزود للولايات المتحدة بالنفط بعد كندا والمكسيك، ولكن قبل السعودية ونيجيريا. وفي هذا السياق، يقول المحلل العسكري غاريدو: "إن مبعث السخرية في الوضع الحالي هو أن الولايات المتحدة هي الممول الرئيسي لحركة مناوئة لنفوذها في ساحتها الخلفية".