رغم الطابع "الكوني" والعلمي لما سنشهده اليوم من "هطل الشهب"، لكنه على الأقل سيقدم مادة خارجة عن تقليد الحديث، أو طبيعة الغرق في السياسة وتضليل التصريحات التي تتعامل معنا وكأن العالم ينتهي عند رغباتنا.

في مسألة "هطل الشهب" أكثر من مجرد رصد شاهده قبلنا أجيال وربما ارتجفوا أو فسروا أو قدموا لنا "تأويلات" على سياق السياسة، فهو يمنحنا لدقائق فرصة التحليق خارج "ظواهر" تلاحقنا بدء من السياسة وانتهاء بالاحتباس الحراري، فعندما يبدأ الرصد لا يتوقف الزمن، بل يسترخي لمتعة المشاهدة أو البحث عن صور يمكنها أن تعيد رسم مسائلنا من جديد، لنعرف أن الكون أرحب من مشاكل "الانتخابات اللبنانية"، أو حتى حمّى جرائم الشرف والبحث عن ضحية دائمة.

ربما يستطيع الكون تركنا نفكر في رحابته بدلا من ضيق العالم المعاصر، فرغم أن الحداثة منحتنا المعرفة لكنها في نفس الوقت حاصرتنا بنتائج هذه المعرفة، وبضيق الثواني التي جعلت العالم أضيق من أن يتحرك فيه اثنان، أو قطبان، أو تتزواج فيه المفاهيم. فما يقلق اليوم أن "الردة" ضد الحداثة هي جزء من بنيتها بالدرجة الأولى، وهي أيضا نوع من التحول في داخلها، ومهما حاولنا التنظير لكننا في النهاية أمام واقع "التحول" في الحداثة باتجاه ما بعدها....

في لحظات "الرصد" ربما يرافقنا "غاليلي" أو نتذكر كل مرحلة "الأنوار" التي أنهت "مركزية" المعرفة، ولكن في المقابل نستحضر تشظي المعرفة وتشتتها، وربما بقائها بعيدة عن أبناء القرون الوسطى.

وفي لحظات الرصد أتذكر أيضا الصراع في الولايات المتحدة بين نظرية التطور والقوة الذكية، التي شغلت العاملين في التربية، فأدرك أن العالم الذي يتحول يضعنا أحيانا على حدود فاصلة يختلط فيها الماضي بالحاضر، ويصبح التراث جزء من تموجات المعرفة الحديثة، لكن هذه اللحظات رافقت الإنسان دائما وهي جزء من التحول المعرفي، لذلك فإنني أتشبث بـ"الصراع" المعرفي، وأدرك أن المطلق تلغيه لحظة رصد كونية، تجعلنا نعرف أن العالم حتى اللحظة لا يمنحنا المطلقات.

إنها دعوة عامة.. للخروج من أسر الحياة والبحث عن أفق أوسع يقوي قدرتنا على التشبث بالمستقبل والمعرفة بدلا من طاقتنا المهدورة أمام النقل والتحوير والتصريحات المتناثرة أمامنا.