ينتظر المشاهدون في كل مكان من العالم شهر رمضان سنويا بفارغ الصبر، فبالإضافة إلى كونه شهر عبادة وصوم إلا أن الجزء الآخر وهو القسم الترفيهي لا يغيب عن الذاكرة حيث تقدم محطات التلفزة أحدث وأفضل باكورة الإنتاج الفني لذلك العام، ووقع هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة لضخامة الأعمال الفنية والدرامية المختلفة على الشاشات وان كان هناك قاسم مشترك لكل هذه المحطات وهو مسلسل "باب الحارة" ولكن المفاجأة أن هذا المسلسل لم يكن الوحيد على الشاشات بل كان هناك أكثر من ثلاثين عملا فنيا مختلفا ومتنوعا ما بين الدرامي والتاريخي والسياسي والفني والاجتماعي.

ومن هذه الأعمال إضافة إلى باب الحارة مسلسل الاجتياح إلي يصور لحقبة زمنية ليست بالبعيدة وهي الفترة الواقعة من أواسط عام 2001 لأواسط عام 2002 والذي عرف بفترة الاجتياحات للأراضي الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي حيث عرف بفترة اجتياح السور الواقي وما قدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات جسام خلال هذه الفترة في سبيل رفعته وكرامته وحقوقه المسلوبة.

ومثلما فرض مسلسل "باب الحارة" على المشاهدين الاهتمام والمتابعة فان "الاجتياح" الذي جسد بالدرجة الأولى الروح المعنوية العالية لدى المواطن الفلسطيني فرض على من عايشه المتابعة وذكريات الماضي الأليم من تهجير وقتل وتدمير ومعاناة ما زالت مستمرة أصلا.

واحيا مسلسل الاجتياح الذاكرة الفلسطينية مرة أخرى واظهر بأدق التفاصيل ما جرى في الأراضي الفلسطينية خلال هذه الفترة وأعاد فتح الآلام والحسرات والجراح خاصة ما جرى في مخيم جنين حيث تابعه أهالي المخيم بشغف شديد لما أظهره المسلسل من دقة في التفاصيل واظهر بعض هذه التفاصيل للعيان لمن لم يتعرف عليها في ذلك الوقت.

وهذا العمل الفني الدرامي ليس العمل الأول ولن يكون الأخير بالتأكيد الذي يعالج معاناة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في الوطن أو الشتات ولكن ما هو مطلوب هو استكمال هذه الصورة لدى المشاهد الغربي وليس العربي أو الفلسطيني الذي عايشها بكل دقة، ولما للرأي العام الغربي من أهمية فان أهمية هذه الأعمال تكمن في إيصال هذه الصورة إلى المشاهد الغربي ليضطلع على الديمقراطية التي تتحلى بها إسرائيل أمامهم وكم هو الجرح الفلسطيني النازف منذ عشرات السنين عل ذلك يساعد في الضغط على حكومة الاحتلال من اجل الجنوح للسلام الحقيقي ووقف سياستها العنجهية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه وتراب وطنه.

أن مسلسل الاجتياح بكافة تفاصيله فرض على المشاهدين متابعته مثله مثل باب الحارة أو الملك فاروق الذي يؤرخ لحقبة سياسية هامة في مصر وشخصيات مسلسل الاجتياح استطاعت بدرجة كبيرة من تجسيد أدوارها بكل صدق وأمانة ما حدى بالمشاهدين بمعايشة الأحداث والاندماج معها إضافة إلى إطلاع المشاهدين تفاصيل حياة مجموعة من المقاتلين في بقعة محدودة من الأرض واندماجهم مع سكان المخيم ليشكلوا وحدة واحدة ضد محتل مدجج بالسلاح.

كما أن هذا المسلسل اظهر الحجم الهائل من المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بكل تفاصيلها بسبب الاحتلال مظهرا كيف أن الفلسطيني رغم كل ذلك إرادته قوية ومعنوياته عالية ويستطيع التكيف مع تطورات الحياة اليومية على قساوتها ولم يغفل ملامح الحياة الاجتماعية بين المواطنين والتي جسدتها علاقات المواطنين ببعض أو العلاقات التي نشأت بين المواطنين التي جمعهم فيها المصير المشترك الوحيد والحياة البائسة.

كما أن الاجتياح اظهر جانب آخر وهو استمرار العلاقة ما بين طرفي الصراع بطرق أخرى تؤسس لاحتمالية بناء علاقة مستقبلية بينهما رغم الصراع المستمر منذ عشرات السنين نحو تعايش طويل الأمد.

ومن هنا فان مسلسل الاجتياح ترك بصماته على المتابعين لمحطات التلفزة حيث ترى الأطفال يلعبون ويلهون ويحاولون أثناء ذلك تقليد عدد من الشخصيات في المسلسل كغيره من شخصيات المسلسات الأخرى