يعتقد المحللون السياسيون المتخصصون في عملية السلام في الشرق الأوسط، أن مؤتمر أنابوليس تحوّل إلى عمل مسرحي هزلي كان الغرض الأساسي منه جلب أكبر عدد من المسؤولين العرب للجلوس بارتياح إلى جانب المسؤولين الإسرائيليين.

فقد انفض المؤتمر دون صدور أي التزام واضح ومحدد، لا من طرف إسرائيل ولا من الولايات المتحدة بجدول زمني لتحقيق الهدف المتمثل في حلّ الصراع العربي الإسرائيلي.

التقت سويس إنفو بالسفير مارتن إنديك، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى والسفير السابق لدى إسرائيل، وسألناه في البداية عن سبب اعتقاده "بعدم وجود التزام أمريكي، رغم استضافة الولايات المتحدة لمؤتمر أنابوليس" فقال:

"إن من يدقِّـق في الكلمة التي ألقاها الرئيس بوش أمام المشاركين في مؤتمر أنابوليس، لن يجد أي خطة محدّدة للعمل من أجل تحقيق رؤيته الخاصة بحلٍّ يعتمد على إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام مع إسرائيل، بل إن تعبيرات وجهه ولغة جسده وهو يلقى ذلك الخطاب، لا توحي بأي التزام حقيقي بالمشاركة بالجُـهد الشاق اللازم للتوصل إلى تسوية سلمية بحلول نهاية فترته الرئاسية، ولعلِّـي أتكهّـن بأنه قد يُـمكن لسوريا وإسرائيل التوصل إلى تسوية حول الجولان، قبل أن يمكن التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، استنادا لمؤتمر أنابوليس".

وانتقد السفير إنديك التركيز الأمريكي على ضرورة توصّـل الجانبين إلى وثيقة مشتركة، بدلا من السعي إلى الوصول إلى اتفاق بينهما على تحديد موعد لبدء مفاوضات الوضع النهائي وموعد الانتهاء منها وكيفية التفاوض، وخاصة أن الرئيس بوش أضاع فرصة تاريخية لإنجاح مؤتمر أنابوليس، حينما لم يضمن في خطابه رؤية الولايات المتحدة لجدول زمني محدّد يتم بنهايته التوصل إلى اتفاق سلام نهائي.

وردّا على سؤال لسويس إنفو عما إذا كانت إسرائيل قد نسفت فرصة قبول مبادرة السلام العربية بشرطها الجديد، الخاص بضرورة اعتراف الفلسطينيين بأن إسرائيل هي وطن للشعب اليهودي، قال السفير مارتن إنديك: "الواقع، أن الرئيس بوش أظهر رفضه لمبادرة السلام العربية بشكل غير مباشر، حينما أرسل خطابه الشهير لرئيس وزراء إسرائيل السابق أرييل شارون في عام 2004، والذي ساند فيه عدم العودة لحدود 1967 والاكتفاء بمبادلة الأراضي التي أقامت عليها إسرائيل مستوطنات كثيفة بأراض أخرى من إسرائيل تُـضاف لأراضي الدولة الفلسطينية عندما تتم إقامتها، وعلى الرغم من أن خطاب بوش أمام مؤتمر أنابوليس تفادى أي إشارات محدّدة إلى المبادرة العربية، فإنه كان محدّدا للغاية في أمر واحد، هو أن إسرائيل دولة يهودية وأنها وطن للشعب اليهودي، وفي المقابل، لم يطمئن بوش الفلسطينيين على حدود دولتهم المستقبلية واكتفى بالكلمات العامة، مثل ضرورة إنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967".

السفير مارتن إنديك، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى والسفير السابق لواشنطن لدى إسرائيل

التواجد العربي في أنابوليس

ولكن ما الذي كان العرب يحاولون تحقيقه من خلال تواجدهم، الذي لم يسبق له مثيل في مؤتمر سلام مع مسؤولين إسرائيليين، وهل كان وجودهم المكثف من قبيل تمنّـي نجاح المؤتمر أو بضغوط من الولايات المتحدة؟

رد السفير مارتن إنديك على هذا التساؤل بقوله: "لم يكن التواجد المكثف لمسؤولين عرب في مؤتمر أنابوليس مفاجأة لي، فهم طرحوا مبادرة عربية للسلام في عام 2002 وأعادوا طرحها في العام الماضي، كما أن هناك مخاطر تواجه الأطراف العربية بسبب استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولعل أهم ما يُـخيف تلك الأطراف هو التطرّف، ولقد أوضحت كلمة وزير الخارجية السعودي مدى القلق السعودي من تغذِية مشاعر التطرّف باستمرار الصراع العربي الإسرائيلي، كما أن تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة بات يشير إلى دور إقليمي متزايد لطهران في لبنان والعراق وفلسطين، في وقت تخاف دول عربية عديدة، وخاصة في منطقة الخليج، من تحول إيران إلى قوة نووية، وهي مخاوف تشاركها فيها الولايات المتحدة، لذلك، ركزت وزيرة الخارجية الأمريكية في جولاتها الثمان إلى الشرق الأوسط على إقناع الدول العربية الرئيسية بضرورة المشاركة بدور فعّـال في إحياء عملية السلام لمقاومة التطرف والعنف والإرهاب، وكذلك لعدم تمكين إيران من بسط هيمنتها على المنطقة، خاصة وأن شعبية الرئيس الإيراني في الدول العربية تفوق كثيرا شعبية حكّـام تلك الدول وتعيّـن عليهم أن يثبتوا لشعوبهم أن الاعتدال والمصالحة والتوصل إلى السلام عن طريق المفاوضات أمر ممكن، ولذلك حضر المسؤولون العرب للمشاركة في مؤتمر أنابوليس".

ويرى السفير مارتن إنديك أن الطرف العربي الأكثر استفادة من حضور أنابوليس، كان سوريا لأنها تمكّـنت من إحياء الحديث عن مفاوضات لها مع إسرائيل حول هضبة الجولان، كما أن دعوتها إلى المؤتمر تتناقض مع جهود الرئيس بوش لعزلها دوليا، وتقر بأهمية مشاركتها في أي عملية سلام تهدِف إلى التوصل إلى تسوية دائمة وشاملة.

وخلص السفير إنديك إلى القول: "يا لها من مفارقة، فالرئيس بوش، الذي وجه الانتقاد مِـرارا وتكرارا للرئيس كلينتن على مشاركته الشخصية في محاولة صِـياغة إطار لاتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عاد بعد سبعة أعوام من هجر عملية السلام ليحاول إنجاز تسوية نهائية قبل انتهاء فترته الرئاسية، والرئيس بوش الذي سخر سنوات عديدة من إدارته لمحاولة عزل سوريا وتقليص أي دور لها في المنطقة، عاد ليوجّـه لها الدعوة لحضور مؤتمر أنابوليس".

السيد جين بيرد الرئيس التنفيذي لمجلس المصلحة القومية الأمريكية

ماذا بعد أنابوليس

ويتفق السيد جين بيرد، الرئيس التنفيذي لمجلس المصلحة القومية الأمريكية مع هذا التحليل، ويقول من أعجب المفارقات أن تفيق إدارة الرئيس بوش بعد سبعة أعوام من السُّـبات العميق فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي لتُـدرك أن الموقف الأمريكي من ذلك الصراع هو المِـحك الرئيسي للعلاقات بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، لكنه يرى أن مؤتمر أنابوليس، وإن كان أكبر تجمّـع دولي منذ مؤتمر مدريد للسلام، فإنه أظهر للعالم أن الولايات المتحدة لم تعُـد الوسيط الرئيسي والوحيد بين طرفي الصراع.

وأوضح السيد بيرد أن التناقض في السياسة الأمريكية إزاء سوريا كان واضحا في أنابوليس. فمن ناحية، أدركت إدارة الرئيس بوش أنه لا يمكن التوصل إلى أي سلام في المنطقة باستبعاد سوريا، ولذلك، وجهت إليها الدعوة للمشاركة في المؤتمر، ولكن الرئيس بوش تعمّـد وبشكل واضح إغفال ذِكر سوريا في كلمته أمام المؤتمر.

وتعجّـب الدبلوماسي الأمريكي السابق كذلك من غياب العراق عن أنابوليس وعدم دعوته للمشاركة، وأعرب عن اعتقاده بوجود خلل في التصور الأمريكي الذي يفصِـل بين تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين مشاكل الولايات المتحدة المتعلقة بكيفية إنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق، ويرى أن ذلك الفصل يخلِـق هوّة يمكن أن يستغلها الإيرانيون وغيرهم، ولكنه يرى فجوة أخرى تجلّـت بوضوح في الأجواء التي أحاطت بانعقاد مؤتمر أنابوليس.

فرغم المشاركة العربية الكبيرة، إلا أنه لم توجد أي محاولات للتقارب بين الأطراف العربية والطرف الإسرائيلي، ولو بشكل غير رسمي على هامش المؤتمر، وهو ما يعكس فشل المؤتمر في التقريب بين مواقف الجانبين إزاء القضايا الرئيسية، وقال السيد بيرد: "حتى لو كان المؤتمر قد نجح في سدّ بعض الفجوات بين مواقف الطرفين، فإن عدم مشاركة حماس واستمرار جهود عزلها سيؤدّي إلى وضع يصعُـب معه تنفيذ أي التزام فلسطيني أو اتفاق فلسطيني إسرائيلي".

ولذلك، طالب السفير دينيس روس، المنسق الأمريكي السابق لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بأن تغير إدارة الرئيس بوش من أهدافها فيما يتعلق بما بعد أنابوليس، لتركز على إيجاد صيغة تمكِّـن الرئيس الفلسطيني محمود عباس من إقناع الشعب الفلسطيني بأنه قادر على تحقيق الطموحات القومية للفلسطينيين من خلال التفاوض.