لم يعد العرب «عرباً». افترقوا حتى ليعز تلاقيهم مجدداً.
عادوا شعوباً وقبائل متناحرة.
اختلفت مصالح حكّامهم إلى حد التعارض، فتباعدوا وتباغضوا وتآمر بعضهم على البعض الآخر سراً وعلانية. أسقطوا العداء عمّن كان عدواً لجميعهم، فصيّره نفر منهم صديقاً وأخاً أكبر وحليفاً أعظم وسيداً أوحد. وذهب بعضهم إلى التواطؤ ضد من كانوا أهلهم وصاروا خصومهم بل «العدو المبين».
تكفي صورهم في استقبال الرئيس الأميركي جورج بوش وفي وداعه لتفضح إلى أي حد هانت عليهم أوطانهم وكرامة شعوبهم.
فجورج بوش الذي كاد يصير إسرائيلياً في الأرض التي كانت «فلسطين» والتي أعطاها هو بالذات هوية «دولة اليهود»، استُقبل بالعناق الحار في «المقاطعة» حيث اغتيل قائد الثورة ياسر عرفات بتواطؤ أميركي ـ إسرائيلي معلن.
وبينما كان الفلسطينيون في شوارع رام الله (وغزة) يتظاهرون ضد الزائر الذي تجرّأ على حقوقهم في أرضهم وفي هويتهم وبالتالي في «الدولة»، كان أهل السلطة يتنازلون عن البقية الباقية من القرارات الدولية التي تؤكد حقهم بدولة فوق بعض أرضهم، أو تلك التي تحمي حقوق الذين طُردوا بالقوة في العودة إلى فلسطينهم ولو مشطّرة، وقبل أن تلتهمها مستعمرات وحوش المستوطنين المستقدمين من أربع رياح الأرض.
في الكويت استُقبل جورج بوش بوصفه المحرِّر ابن المحرِّر، بينما يقاتله العراقيون بوصفه سفاح وطنهم ووحدة شعبهم الممزّق كيانهم السياسي باحتلاله..
وفي سائر أقطار الجزيرة والخليج سيحتفون به باعتباره حاميهم من «الخطر الإيراني» الداهم.
أما في لبنان الذي حرمته المقادير من دخوله للقاء أصدقائه الكبار فيه، فإن جولته في المنطقة بتداعياتها الثقيلة قد فاقمت من أزمته السياسية وجعلت حلها الصعب يقارب الاستحالة...
أما مصر التي طالما عاملتها إدارة جورج بوش بكثير من الاستهانة التي مسّت كرامتها الوطنية أحياناً، فلن يكون لها رأي في أي من القضايا التي تخص «غيرها» من الأقطار العربية... وبالكاد تسمع شكواها من تناقص المساعدات الأميركية ذات الشروط الإسرائيلية.
إنها «زيارة مباركة». إن نجاحها يعني السقوط العربي العظيم.

مصادر
السفير (لبنان)