هي كلمات ضائعة لا يمكن ان تستقر في زمن أو جغرافية، فعندما يحتضر طفل وليد تصبح الحروف ترفا، وتنتقل أصوات الإناث إلى لون لا يعبر عن النحيب، بل عن افتراق الزمن وربما انتهاء الضوء... فالكتابة اليوم تسلية كي لا اتابع احتضار الصوت في حنجرتي.

في شوارع غزة تتبعثر الحروف لتشكل "نقابا" جديدا، وتعيد رسم الشوارع على شاكلة الزمن الأصفر، فأعرف أن مكاني هنا بين الموت المفروض، أو الحصار الغبي، فنحن لا نعرف من أين بدأ هذا المد الذي يجتاحنا، ففي غزة خلاصة العالم العربي، وخلاصة إناثه وذكوره، وفيها يتم تعليب التاريخ بعبوات "الإرهاب" كي يتم تصديره سريعا إلى أجهزة الإعلام، فأصبح مجرمة لأنني تنقلت بين شوارع غزة، وأغدو قاتلة لأنني قررت اعتزال الصمت وممارسة هواية "المشاغبة".

هي غزة وأنا وحدي تحت سمائها وفي بردها اللاذع أتذكر رحلتي في عواصم الشتات المقيته، واستجداء النظرات حتى تدرك أن هناك أنثى من غزة والضفة وبغداد وجنوب لبنان تجوب المسافات لأنها قادرة على ممارسة الحرية وعلى تحمل الاغتصاب المتوالي دون أن تقول للقاتل "كفى" لأنها اعتادت على التحدي.

بالنظرة وباللحم الحي أحاول أن أبقى في غزة ... أن أمسح جرحي وجرحها، وأعلق على "فضاء" التاريخ جملا تسليني وسط العتمة، فالاحتضار لا يعنيني والجوع الذي تتقاسمه المدينة يلاحقني في المعابر المغلقة.

هي جولة فقط داخل المدينة التي اعتدت عليها واعتادت علي... اعتدت على أشلاء الشباب والأطفال... واعتادت على نظرتي التي تبقى معلقة على شمال القطاع الذي يناديني كل يوم، فأشاهد مسلحا أو أراقب طائرة أو أقضي الليل في العتمة وأنا أطارد أشباح النظام العربي.

في غزة أعرف أن شراييني متخمة بالكلمات وأن الصور المعلقة هي ليست لشهداء بل لمجتمع كامل يدفع عنه أسوار السجن الكبير، ويتذكر أن الزمن يمشي وهو يكبر... وأن جدران الفصل هي ثقافة انتقلت ربما بالفطرة من تيمور لنك إلى شارون وأولمرت وغيرها من الأسماء التي تلوح لي كلما التفت يمنة أو يسارا...

أعرف نفسي وربما أحدد هويتي وأنا اتبختر في شوارع غزة... فأنا المسبية التي ترى نفسها حرة... وأنا المقتولة دون موت والمغتصبة كل دقيقة لكنني مازلت بكرا أختزن الخصوبة لزمن أحلم به... تحلم به كل إناث غزة... ويعانقه الرجال المسلحون أو المتظرون فرحة تدفعهم للبقاء.

مصادر
سورية الغد (دمشق)