تقرير فونوغراد الذي مر بسلاسة على مساحة السياسة أيقظني باتجاه زمن خاص، أو قراءات استهوتني في أوج حرب تموز، فالمشكلة في بقاء الحرب ضمن نطاق تفكير خاص يحاول استيعاب ما احدثته داخل شريحة سياسية واحدة، دون ان نرصد كيف كانت أحداث تموز لونا آخر ربما أتاح لنا أن نقف من جديد على طاقتنا المهدورة.

هناك بالفعل "بيئة استراتيجية جديدة" وفق تعبير وزير الدفاع السوري في كتابه "الحرب السادسة .. بيئة استراتيجية جديدة"، رغم نوعية التحليل السياسي والعسكري في مسألة هذه البيئة، لكنني أراها أيضا في الانعكاس الثقافي، أو في الومضة التي أيقظتها بعد أن اعتقدنا أن مسألة الصراع مع إسرائيل ضاقت بها المساحات.

خلال حرب تموز قرأت عددا من الكتب العسكرية، ليس لأنني مهتمة بها بل لأكسر العادة التي فرقتنا ذكورا وإناثا نحو اختصاصات من ابتكارنا، فغضبي انصب على نوعية المعلومات، وكنت أدرك أن العلوم الاستراتيجية تحدد مصير كل شيء لاحق، واليوم عندما أطالع تقرير فينوغراد لا أهتم بدرجة الإخفاق الإسرائيلي، أو باحتمالات السياسة عند من خاضوا الحرب ضدنا، إنما برصد "البيئة الاستراتيجية الجديدة" التي تبدو أنها محاصرة في عقولنا رغم أننا كسرنها بالدم في حرب 2006.

هذه البيئة "دمغت" العقل الإسرائيلي "بنوعية الهزيمة"، ودمغتنا بحبنا لها ورفضنا للنصر، أو ربما جعلتنا أسرى الصراعات الداخلية والبحث عن تفوق خاص في قدرتنا على التحليل، وربما كانت كافة معاركنا هي لخلق هذه البيئة التي نحاصرها فور التحقق من أننا بدأنا في إنجاز ما هو معقول أو مقبول، فنضع ميزان الربح والخسارة وفق مقياس آخر لا يعترف بأن الانتصار يشمل الجميع، وأن الأهواء السياسية هي محاولات عائمة وليست تجارب حقيقية.

في "البيئة الاستراتيجية الجديدة" هناك مقاربات عسكرية، وهناك أيضا مقاربة على الصعيد الثقافي، فالنصر أو الهزيمة من المفترض أن تغير نظرتنا للأشياء، هذا إن لم تغير تفكيرنا ككل، وإذا كان ما حدث في حرب تموز تحول عسكري أكده تقرير فينوغراد، فإننا ثقافيا بدأنا العودة إلى التراث الأسود لنسجل "الواقعة" على شكلة "حرب البسوس" ونضع "صفا" من القبائل وراء كل طرف.

لم تكن المقاومة بحاجة لتأكيد انتصارها عبر تقرير فينوغراد، لكن نتائج التحقيق التي ظهرت أثبتت أننا مهوسون في قتل أي أمل يتم بناؤه بالدم أو العلم أو التجارب الناجحة.

مصادر
سورية الغد (دمشق)