يمكن بل يجب قراءة تقرير فينوغراد في شكل مزدوج، قراءة بالعين الاسرائيلية بمعنى تداعيات التقرير على القيادة السياسية والعسكرية والجمهور الاسرائيلي في شكل عام، وقراءة بالعين الفلسطينية او العربية وفق السؤال الآتي: كيف يجب ان ننظر او نفهم كعرب التقرير الاسرائيلي بالعين الاسرائيلية؟

خضع التقرير لمنطـــق ان اللجنةـــ هي لجنة تحقيق حكومية وهـــذا الامر انعكس على عمل اللجنة واستجوابها للشهود وما الى ذلك، كما ان محكمة العدل العليا قامت عملياً بتكبيل أيادي اعضاء اللجنة وعندما طلبت منهم ان لا تخرج بتوصيات او استنتاجات شخصية ضد أي من المسؤولين، اما الأمر المهم الآخر فهو قيام اللجنة بتقديم تقريرين وليس تقـــريراً واحداً نهايباً، فجاء التقرير النهائي حمّال أوجه تناقض وعلى طريقة لعم العربية الشهيرة.

لم يقدم تقرير فينوغراد توصيات او استنتاجات شخصية ولكنه استخدم 195 مرة كلمة فشل و230 مرة كلمة عيوب، تحدث عن مشاكل في التفكير والتخطيط الاستراتيجي وعن إخفاق للمستويين السياسي والعسكري واعتبر ان الحكم يجب ان يكون للجمهور وللساحة السياسية والحزبية استخلاص العبرـ وليس هنــــاك دعوة لانتخابات مبكرة أكثـــر وضوحاً من ذلك، لكن الاحزاب السياسية في معظمها ليســــت متحمسة لهذا الامر، فمعظـــــم نواب الكنيست ولا يثقون بإمكان عودتهم الى البرلمان مرة أخرى، وعلى رأي أفيفدور ليبرمان انه الواقع الحالي، فإن العلاقة مع الفلسطينين وحدها كفيلة بإرسال اسرائيل الى انتخابات مبكرة.

واذا كان ايهود أولمرت وفقاً للمعايير الاسرائيلية الداخلية الرابح الاكبر فإنني اختلف مع من يعتبرون اهود باراك الخاسر الاكبر، باراك رابح بدرجة لا تقل عن أولمرت، التقرير وفّر له سلماً للنزول عن الشجرة العالية التي تسلقها بوعده الخروج من الحكومة في حال جاء تقرير فينوغراد قاسياً بحق أولمرت، الا ان الامر لم يحدث والتقرير ترك أولمرت جريحاً، لكن على قيد الحياة، وباراك لم يكن يحتاج الى أكثر من ذلك للبقاء في الحكومة المدة التي يراها مناسبة له لتحسين وضعه الشخصي وشعبية حزبه في اوساط الجمهور الاسرائيلي، وهو سيعمل بجد لاثبات انه قام باصلاح الجيش وعالج الثغرات ونقاط الخلل فيه.
لا شك في ان الجيش الاسرائيلي يعد الخاسر الاكبر من تقرير فينوغراد الذي أظهره جيشاً عاجزاً عن المبادرة وعن الانتصار، جيش نسي مهماته القتالية الاساسية كما قال احد الشهود البارزين امام اللجنة، وهنا يمكن القول إن تقرير فينوغراد جاء مماثلاً لتقرير لجنته إغرانات التي حققت في الاداء السياسي والأمني خلال حرب تشرين الاول (أكتوبر) 1973.

وعلى رغم ان لجنة اغرانات كانت رسمية ودانت المستوى السياسي والجيش وقيادته خصوصاً جهاز الاستخبارات العسكرية، فإن الامر حصل وإن في شكل مختلف مع تقرير فينوغراد، الذي دان الجيش وقيادته العليا والمستوى السياسي دون استنتاجات او توصيات شخصية.

وقياساً على التقرير فإن لا فرصــــة لاتفاق او تسوية في المدى المنظـــور والشرط لذلك لم يتحقق بعـــد والاستنتاج الأهم هو ان علــــى اسرائيل الذهاب الى حـــرب يتم فيها سحق العدو وتلافـــي كل الثغرات والعيوب التي شابت الحرب الاسرائيلية ضد لبنـــان، بمعنى آخر ليست هناك تسوية هذا العام وهذا ما يعتقده باراك ايضاً، والاحتمال الاقوى هو لجوء اسرائيل الـــى حــــرب تستعيد من خلالها قوة ردعها وحتى يتحقق ذلك لا داعي للخوض في قصة التسوية لأن شروطها لم تنضج بعد.

أخيراً، فإن التقرير يؤكد المقولة التاريخية: اسرائيل تستعد للحرب المقبلة بمجرد الانتهاء من الحرب الماضية. موشيه دايان قال ذات مرة: إن اسرائيل تعيش على حد السيف ولا يمكنها اغماده. وفينوغراد يدعو صراحة للاستعداد للحرب المقبلة على قاعدة استخلاص العبر من الحرب السابقة، هذه الدعوة الصريحة تقدم أفضل صورة عن حقيقة النيات والتوجهات الاسرائيلية المستقبلية.