هناك اكثر من دافع للقرار السعودي بحظر السفر الى لبنان، وهي كلها تنذر اللبنانيين بسوء لا مثيل له، وتتركهم لمصير لا ترغبه غالبيتهم الساحقة، لكنها تشعر انها باتت تقاد اليه عنوة، من دون الحق في الاعتراض او حتى في السؤال.

ليست المرة الاولى التي تتخذ فيها الرياض مثل هذا القرار. في اعقاب الثورة الاسلامية في ايران صدرت نصيحة مماثلة، ثم في اعقاب احراق مبنى القنصلية السعودية في بيروت في منتصف الثمانينيات، لم ينتظر كثير من السعوديين مثل هذه النصيحة لكي يغادروا لبنان.. قبل ان يعودوا ثانية في اعقاب توقيع اتفاق الطائف والهدية التي اعقبته وحملها يومها الرئيس الراحل رفيق الحريري.

لكن وبخلاف المرات السابقة، لا تبدو ايران اليوم هي الحافز الرئيسي للقرار السعودي، غير المفاجئ، برغم ان بعض حلفائها اللبنانيين دأبوا في الآونة الاخيرة على توجيه تهديدات علنية صريحة الى السعودية، فضلاً عن الاتهامات المتكررة بأنها لا تزال دولة راعية للارهاب الاسلامي، بما يتنافى مع الجهود الحثيثة التي تبذلها الرياض في مختلف انحاء العالم، لإثبات العكس.

ليست ايران طرفا مباشرا في ذلك الصراع، لانها كانت ولا تزال تمد يد المصالحة الى السعودية، بعدما توصل قطبا العالم الاسلامي الى تفاهم ضمني في العراق، ادى الى ضبط الفتنة المذهبية، والشروع في اعادة تنظيم عملية تقاسم السلطة بين الشيعة والسنة العراقيين، والتي سيباركها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لدى زيارته بغداد في الثاني من آذار المقبل.

كما ان الحليف الرئيسي لايران في لبنان، أي حزب الله، ليس في وارد الدخول في مواجهة مع السعودية، وليس في وارد التورط طبعاً في فتنة مذهبية لبنانية، يغذيها البعض من اللبنانيين، الذين يقرأون بشكل خاطئ الموقفين السعودي والايراني، ويلقيان على البلدين مسؤولية لا يحتملانها ولا يريدانها، برغم احساسهما بان الصراع الضمني على لبنان بلغ مرحلة حرجة جداً.. تتخذ شكلا مذهبيا لا يمكن انكاره.

لكن كل ما عدا ذلك، يضيف مبررات جديدة الى القرار السعودي: من جهة هناك القضاء اللبناني الذي يقترب من توجيه الاتهام بعدد من الجرائم الارهابية التي تورط فيها سعوديون في الماضي ويمكن أن تستهدف سعوديين آخرين في المستقبل. ومن جهة اخرى هناك اعلان حزب الله بان الحرب مع اسرائيل، ومع الدول العربية التي ساندتها في صيف العام ,2006 فتحت من جديد. وهناك ايضا الانطباع العام، الذي خرج به وفد اميركي زار دمشق مؤخرا، ومفاده ان الخلاف السوري السعودي هو أكبر وأعمق وأشد حتى من الخلاف السوري الاميركي.

في هذا السياق صدر القرار السعودي، الذي لا يشك احد في انه سيتحول الى قرار خليجي، وربما الى قرار عربي عام، والذي لا يمكن تعديله الا اذا تخلت الرياض عن تحفظها على التحاور مع طهران حول شأن عربي داخلي مثل لبنان، واذا اقنعت طهران حلفاءها ان الهاوية اللبنانية لم يعد لها أي حافة.. وإلا فإن الخروج السعودي من لبنان يصبح انسحاباً.

مصادر
السفير (لبنان)