درج القادة العرب على اعادة تقديم التنازلات في كل قمة عربية. ودرجوا أيضا على تنفيذ عدد من المطالب الأميركية في كل قمة. كان هذا دأبهم قبل الغزو الأميركي للعراق، ودأبهم كذلك في خلال التطبيع مع اسرائيل، وفي سبيل محاربة الارهاب. وباستثناء قمة السودان التي اقر فيها العرب فتح بعض خزائنهم للزعيم الراحل جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967 حفاظا على ماء الوجه، فان كل القرارات الاخرى بقيت اما حبرا على ورق او تحولت الى مطية وجواد عربي أصيل لمشاريع غربية.
هكذا ينظر الرئيس السوري بشار الأسد الى تاريخ القمم العربية، حتى تلك التي شارك هو او والده الراحل حافظ الاسد في بعضها، والتي وافقا في بعض مراحلها على ما لم يكونا راغبين ضمنيا بالموافقة عليه، شأنهما في ذلك شأن الكثير من القادة العرب حين كانت التسويات والصفقات تفرض ذلك.
أما اليوم فلا العلاقات الاميركية السورية المضطربة تسمح بافتراض صفقات، ولا العلاقات السورية السعودية توحي بانفراجات، ولذلك فان القمة المرتقبة في سوريا تكاد تحتضر قبل انعقادها، وباتت نذر الشؤم بشأنها تتخطى بأشواط بشائر التفاؤل.
ويتضح وفق المطالب الاولى أن دمشق غير قادرة ولا راغبة في تلبية ما يحاول بعض العرب «فرضه» عليها، والامر يتعلق خصوصا بلبنان. ويبدو ان الرئيس الاسد يفضل عدم حضور بعض القادة او حتى القبول بتأجيل القمة على قبول المطالب المقدمة حاليا اليه من بعض دول «الاعتدال» العربي.
وأما الولايات المتحدة الأميركية التي كانت غالبا ما «تنصح» المعتدلين من القادة العرب بتبني هذا القرار او ذاك في القمم السابقة، فانها تدرك هذه المرة ان عقد القمة في دمشق قد يتحول الى وسيلة لتعويم النظام السوري عربيا وفك بعض الطوق عنه، وهي بالتالي تفضل عدم انعقاد القمة، او في أسوأ الاحوال جعلها قمة هزيلة، ويبدو ان دمشق تشعر باليد الاميركية الخفية وراء بعض مطالب الدول المعتدلة، وترى ان اميركا تفضل تفشيل القمة على عقدها الا اذا كان فيها مؤشر «لاخضاع» سوريا.
وحده لبنان، او بالأحرى بعض القوى السياسية فيه، تتعامل مع القمة كأن بمجرد انعقادها سيتم انتخاب رئيس للبنان، وسيصار الى محاكمة النظام السوري، وسيسهل قيام المحكمة الدولية، وستجري انهار اللبن والعسل بغزارة قل نظيرها.
من المفترض والحالة هذه ان تكون دول على غرار السعودية ومصر والامارات العربية المتحدة والكويت والاردن وغيرها من تلك الدائرة في فلك «الاعتدال» مترنحة اذاً بين الامتناع عن حضور القمة او الحضور بمستوى اقل من رئيس الدولة، ولعل بشار الاسد سيستغل ذلك اما لتجديد خطابه الهجومي او لتحميل العرب مسؤولية عدم تسهيل الحل اللبناني، والقول انهم خاضعون لمشيئة واشنطن. وهو في الحالتين يوحي بان خسارة القمة اسهل من خسارة الملف اللبناني او غيره من الملفات العالقة في المنطقة.
وسط هذا التأزم القائم حاليا، والذي قد يستمر ما لم تحصل «معجزة» لانقاذ القمة، فان الوضع اللبناني وربما بعض اوضاع المنطقة ستكون امام امتحانات سياسية وامنية صعبة، ولا شيء ينفي احتمال انفجارات أمنية أو قنابل سياسية، ذلك ان المطلوب حاليا مخرج لهذه القمة في حال عقدها او عدمه. وفي الحالتين يبقى لبنان ساحة مفتوحة في سياسة «عض الاصابع».
وبانتظار ما ستؤول اليه الايام المقبلة، يمكن للبنان ان ينتظر طويلا انتخاب رئيس.

مصادر
السفير (لبنان)