خلال المعارك الأخير في لبنان كان هناك مجموعة من المعلومات التي تحدثت عما يحدث في لبنان، وأغلبها يشير إلى نوعية "الخلط" في الإستراتيجية الأمريكية، وطبيعة "التكاسل" الذي وسم تحركها رغم أنها كانت تعتبر أن حكومة السنيورة خطا أحمر.

وفي بعض المعلومات أن الإدارة الأمريكية كانت تريد "التضحية" بأحد حلفائها على حساب تغير الصورة الذهنية الخاصة بحزب الله والمعارضة عموما، فينتقل من فصيل مقاوم إلى "تيار دموي"... وبالطبع فإن التصريحات الأولى صبت بهذا الاتجاه، فحتى وزير الخارجية الفرنسي لم ينتظر التفاصيل فتحدث عن "أمن" السياسيين في بيروت... غير أن الصورة كانت مختلفة نوعيا، فالانهيار السريع في بيروت يوم الجمعة، وما حدث أمس في منطقة الجبل ربما يوضح صورة أخرى لها علاقة مباشرة بالاستباق السياسي، فالضجيج القصير الذي تحدث عن "مسائل مذهبية" سرعان ما توارى خلف كم التحليلات التي بدأت تعيد قراءة الإستراتيجية الأمريكية من جديد.

عمليا فإنه مهما كانت صحة المعلومات التي تم تناقلها حول نوعية التحرك الأمريكي في لبنان بعد زيارة ديفيد وولش، ولكن الواضح أن هناك نقطتين أساسيتين:

 الأولى أن القاعدة الإستراتيجية الأمريكية لا تملك رهانات واقعية، فهي ليست مرتبكة ولكنها أيضا غير قادرة على تفكيك المعادلة الداخلية في الشرق الأوسط، وهذا ما يفسر عدم وصولها إلى نقطة واحدة وذلك بعد ثماني سنوات على اعتماد إستراتيجية الحرب الاستباقية ومحاولة تغير تكوين الشرق الأوسط.

 الثاني أن التكوين العربي هو الأكثر تضررا من ارتباك هذه الإستراتيجية، ولا نعرف لماذا كلما دخلت الإستراتيجية الأمريكية في أزمة جديدة زاد التناقض العربي!!! وهو سؤال لا يحمل فقط معرفة التوزيع العربي اليوم على مساحة الخارطة التي رسمتها الإدارة الأمريكية، بل أيضا عدم قدرة "السياسة العربية" على ممارسة دور الحليف"، بمعنى أن حلفاء الولايات المتحدة غير قادرين على تقييم أدوارهم عند كل مفصل تهتز به المنطقة، وهذا الأمر ظهر واضحا خلال حرب تموز على سبيل المثال، أو بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتكرر في أزمة غزة وغيرها.

ربما سارع عدد من الاستراتيجيين إلى تقسيم العالم العربي باتجاه مشروعين: الاعتدال والممانعة، لكن الواضح أن الإدارة الأمريكية اليوم تفرض تقسيما جديدا، يطرح ضرورة البحث في السنوات الأربعة الماضية لقراءة الشكل غير المنظم الذي استطاع إسقاط الإدارة الأمريكية في جملة أزمات، فإستراتيجية الممانعة تحتاج بالفعل لرسم خطها إلى الخاص اليوم وذلك بعيدا عن طبيعة الإخفاقات التي سجلتها الإدارة الأمريكية مؤخرا.