يستطيع العنف تحويل "مسار" الحروف، فحتى الأشكال التي تآلفت مع عقولنا يمكن ان تنحني، وتلتف وربما تبحث عن البقاء وسط دوي الانفجارات، فكيف لا نستطيع استيعاب "حيوية" الحروف، وقدرة تصوراتنا عنها على كسر مألوف الشكل، وأمام الوجوه التي ذهبت ثم عبرت باتجاه الذاكرة تعيد الجمل ترتيب نفسها، ويصبح العقل مساحة احتمالات.

والمسألة ليست إرهابا يداهم حياتنا، فنحن تآلفنا مع "الإرهاب" المراوغ، وربما تجاوزنا "الفرض" الإعلامي الذي جعل من الحوار تراشقا بالاتهامات واٌاويل، وتحملنا طوال عقد كامل روايات تثبت أننا مجتمع "انهار" تحت وطأة قيم سوداء، فكيف يمكن أن يفاجؤنا الإرهاب؟ هو يقتلنا ويضعنا أمام لحظة الحقيقة، لكنه كان يختل سابقا وهو يمر من أمامنا وخلفنا، أو يظللنا بـ"المتعة" السوداء عندما تصبح "المواسم" الثقافية اجترارا تراثيا.

حتى العالم الافتراضي تحول لزحف متبادل وكر وفر، فهو تحول منذ عام تقريبا إلى جبهة حرب "استُحدثت" على عجل فجرفت معها الزمن، وجعلت الحروف "مكورة"، وانهارت "نون النسوة" أمام علامات رفع المذكر السالم، أو حتى المريض، واكتشفنا كم أصبحت لغتنا مثقلة بالقواعد وخالية من المعنى، فالتعبير الأساسي لا يتسع حتى للهجة العامية، فهل نستغرب أن يصبح الإرهاب اللغة البديلة؟!

لا فائدة اليوم من الإدانة والتنديد، ومن عرض الجرائم ومعرفة أن الأحداث التي عشناها عبر صراع سياسي، تحوي الكثير من عقلية الاغتصاب والإجرام ومن الفوضى الهاربة باتجاه "التعساء" الذين صفعتهم الأحداث دون أن يستعدوا، فلا حاجة لنا لمراقبة الأشرطة التي تنقل اعترافات لأنه إدانة جماعية إضافة لكونها تعريفا بالحدث الذي اجتاحنا، ولا حاجة أيضا لتحليل جملة الروايات التي يتم تناقلها وكانها جزء من مسلسل هندي.

قبل أن تهتز شوارع المدن السورية بالمتفجرات كانت القصص المتناقلة عن الحدث السوري تنسف أي واقع، وكان التناقض بالروايات يوحي بعبثية ستصل بنا إلى نسف أنفسنا، وكان البحث عن منطق جديد يضيع في زحمة البحث عن "من بدأ العنف" ومن كان "السبب" وراء الحدث، ولكننا اليوم نقف عند النقطة الأولى، فالإرهاب في النهاية ليس قتلا فقط بل فراغ يجتاح العقول.

كم من الحزن؟ كم من الثقل الذي يستوطن الصدر؟ وكم من الموت نستطيع احتماله حتى ندرك أن القضية ليست في البحث عن "المسؤولية" بما حدث، ففي النهاية ووسط الإرهاب علينا أن نحمي "جمهوريتنا" ومنحها المعنى المتجدد، فبالإبداع وحده ينتهي الإرهاب.