يمكن الكلام والتوهم بتدمير القدرات النووية الايرانية من خلال مجزرة عسكرية جريئة على غرار ما حصل في العراق سنة 1981. لكن الحقيقة هي ان المسألة هنا اكثر تعقيداً، وربما مستحيلة. فخلافاً للمفاعل النووي العراقي، البرنامج النووي الايراني مبني بشكل موزع منفصل، تحت الارض وسري.

وفرضية العمل الاسرائيلية والاميركية تفيد ان محاولات منع ايران من التزود بالسلاح النووي القابل للاطلاق لن تنجح ـ لا المحاولات الاوروبية لايجاد صلة بين الحوافز الاقتصادية وبين وقف المشروع النووي، ولا التهديدات الاميركية بفرض عقوبات، وبكلمات اخرى، ستصبح ايران دولة نووية في غضون ثلاث الى سبع سنوات، فضلا عن ذلك، ثمة لايران مصلحة قومية واستراتيجية في ان تكون قوة نووية، وحتى انهيار نظام آيات الله لن يغير هذا الامر.
اذا كانت ايران قد قامت من خلال تضليل العالم باستخدام مناسب للمعرفة، للمنظومات وللمواد التي حصلت عليها كما يبدو عن طريق “ابو القنبلة” الباكستاني، فمن المحتمل جدا انها تملك الآن ما يكفي من المواد المنشطرة لانتاج نحو 20 قنبلة نووية. ومن دون عرقلة جوهرية سيستمر تخصيب اليورانيوم حتى الانتاج الكامل للقنبلة التي يمكن تحميلها على صاروخ شهاب 3، وحينها ستتحول فرضية العمل الى حقيقة ناجزة توجب اعتماد تفكير مغاير تماما في اسرائيل وإعادة نظر في جوهر شكل الردع.

لا يمكن حتى الآن تقدير مغزى انتخاب احمدي نجاد رئيسا لايران. ثمة اعتقاد في ان السير في الاتجاه الاكثر تحفظا وتشددا قد يؤدي تحديدا الى حث لا الى كبح صيرورات الدمقرطة حتى سقوط نظام ايات الله خلال سنين معدودة. فالكتاب الاكثر مبيعا في شوارع طهران اليوم هو كتاب “حياتي” لبيل كلينتون، في طبعات خاصة. وكان البروفيسور عباس ميلاني، الباحث في ستانفورد، هو الذي افاد بهذا المعطى المذهل لمجلة “نيويورك تايمز”. ففي ايران اليوم ثمة كراهية لادارة بوش واسرائيل، لكن ثمة ايضا رغبة في العودة الى حضن الامم. وثمة خيبة امل متراكمة من الثورة الاسلامية التي فشلت في كل مجالات الحياة ولم تنفذ شيئا من وعودها، والمشكلة هي انه من الصعب ترجمة التيارات المعارضة للمؤسسة الحاكمة في المجتمع الايراني لممارسة الضغط الناجع على النظام بغية وقف المشروع النووي.

ان من شأن انتخاب رئيس متطرف تسهيل الامر على بوش في قمة الثمانية في اسكوتلندا، فهو يستطيع الادعاء امام المانيا وفرنسا وبريطانيا ان العملية الديبلوماسية التي تقوم على اساس اغراء ايران بأطنان من الجزر لم تنجح. وثمة لطهران حافز سلبي للاستجابة للضغط الاقتصادي، فأسعار النفط المرتفعة تسهل الامور على الاقتصاد الايراني، وثمة مصلحة جلية للنظام في المقاومة والذهاب مع الغرب الى النهاية ـ طالما ان الدولة الرئيسية، روسيا، لا تقف الى جانب واشنطن. ربما حان وقت استخدام العصي. الا ان الحرب في العراق تنزع من بوش قدرة المناورة مقابل ايران.

ضرر سياسي، فائدة عسكرية محدودة
في ضوء ذلك كله، كيف يتعين على اسرائيل التصرف؟ في سنة 2000 بحث طاقم اسرائيلي ـ اميركي لتخطيط السياسة الاستراتيجية امكانية اقامة “حلف دفاعي” بين الدولتين. وأحد المواضيع الذي طرح للدراسة على خلفية المحادثات السياسية مع سوريا والرزمة الامنية التي تتطلع اسرائيل للحصول عليها من الولايات المتحدة، هو تزويد الجيش الاسرائيلي بصواريخ جوالة. وخلال احدى المحادثات التمهيدية التي جرت في اسرائيل، توجه موظف اميركي رفيع المستوى الى محاوره الاسرائيلي وقال: من الواضح لنا سبب اهتمامكم بصواريخ “توماهوك”. من المؤكد ان سوريا ليست سببا كافيا للتزود بهذه الصواريخ، يبدو لكم ان هذا الامر سيعزز عنصر الردع عندكم مقابل ايران. ليس فقط، لكن ايضا ـ أجاب الاسرائيليون. اذا كان الامر كذلك، قال الاميركي الذي ايد بلورة "حلف دفاعي" كامل اخرجوا هذا الامر من رأسكم. هذا ليس واقعياً: ايران ليست العراق في الثمانينات. لن تتمكنوا ابدا من استخدام مثل هذا السلاح من دون مصادقة اميركية، وبطبيعة الحال، وبوجود حلف دفاعي، فان وجود تحدي حقيقي وفوري معناه ان اميركا، وليس اسرائيل، هي التي تستخدم القوة العسكرية ضد ايران. فضلا عن ذلك، اضاف الاميركي، فان تقديراتنا الاستخباراتية ازاء ايران تفيد ان الضربة العسكرية الاسرائيلية لن تكون ناجعة بالضرورة، ومن شبه المؤكد انها لن تحقق نتيجة حاسمة، وما من شك في ان ضررها السياسي سيكون اكبر من فائدتها العسكرية.

يمكن بالطبع التشكيك بدقة هذه التقديرات الاستخبارية، ذلك انه بعد ثلاث سنوات على هذا الحديث اقنعت الولايات المتحدة نفسها عبر الخطأ والاهمال، ان لدى العراق كميات من اسلحة الدمار الشامل التي تشكل خطرا على العالم. لكن ثمة شك كبير فيما اذا كان التقدير الاميركي ازاء نجاعة وجدوى الضربة العسكرية ضد ايران قد تبدل بشكل جوهري. وعموما فان المحاولة الفاشلة في العراق تعزز هذا التقدير.

من الناحية السياسية، قبلت اسرائيل بالموقف الاميركي: فهي بلورت خطا سياسيا يقوم على اساس القول ان التهديد النووي الايراني لا يعني اسرائيل وحدها، بل انه يشكل تهديدا ملموسا تجاه المنطقة وتجاه العالم الحر برمته. ويتعين على اسرائيل الوقوف عند الباب والتحذير وان لا تأخذ على عاتقها مسؤولية قيادة النهج المعادي لايران. فالموضوع هو ان ايران النووية قد تصبح في النهاية حقيقة ناجزة ما لم يحصل تدخل عسكري اميركي مكثف. وهذا لن يحصل على ما يبدو.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)