لقد قيل وكُتب الكثير عن بنية وطبيعة السلطة السورية، أزماتها المستعصية وآفاقها المسدودة؛ وما تسببت به من مآسي وكوارث، اقتصادية واجتماعية، سياسية وعلمية، روحية وبيئية وغيرها........

وقد تفاوتت التحليلات والشروحات حول هذه السلطة من جهة الشمولية والعمق والتفصيل؛ اذ اكتفى قسم منها بتبيان الاتجاهات العامة، وتحديد ملامح البدائل المطروحة في سياق عملية التفاعل بين الداخل والخارج سواء الاقليمي أو الدولي. بينما اتجه قسم آخر نحو الدقائق والخبايا التي يبدو أن الكم الأكبر منها ما زال بعيداً عن التناول......

والمحصّلة النهائية لجملة ما ذُكر وعُرض وسُجل ونوقش بخصوص السلطة المعنية كانت مجدية، بل وضرورية إلى الحدود القصوى؛ وذلك على صعيد الافصاح عن المواقف، وتحديد القواسم المشتركة التي من شأنها أن تكون مواضع توافق تتمفصل حولها مواقف القوى الوطنية السورية بأطيافها وانتماءاتها المختلفة، بغية الوصول إلى برنامج وطني عام يكون موائماً لطبيعة تحديات المهمة الكبرى، المتمثلة في ضرورة التغيير الوطني الديمقراطي.

إن الوضعية الراهنة التي تمر بها سورية بتعقيداتها واحتمالاتها المفتوحة، ما هي سوى حصيلة تلك المقدمات الفاسدة التي اعتمدتها سلطات الأمر الواقع فيها؛ وهي وضعية مرشحة للمزيد من الاختلاط والتأزم، وذلك نتيجة تعارض المصالح بل وتناقضها بين الفئة الحاكمة من جهة، وسائر أوساط الشعب السوري بتكويناته القومية والدينية والسياسية المختلفة... من جهة أخرى. والتعارض هذا لا يقف عند هذا الحد بل متد ليشمل العلاقات الداخلية بين أقطاب الفئة الحاكمة أنفسهم، الأمر الذي يجعل المخرج أعسر وأبعد منالاً، هذا ان لم يكن قد دخل دائرة العدم أصلاً...

إن الوضعية هذه تلزم القوى الداعية إلى التغيير الديمقراطي الأكيد بضرورة الارتقاء إلى مستوى الفعل التغييري الذي لن يكون من دون الشروع بتبني الآليات المطلوبة، والاستفادة من التجارب السابقة مثل الصربية والاوكرانية واللبنانية وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار ان كل واحدة من هذه الحالات تجسّد مثالاً فريداً يمكن استلهامه ضمن نطاق ينسجم وطبيعة الخصوصية السورية.......

والآليات المعنية هذه، لن تدخل حيّز الفعل ما لم يتم الاتفاق على الاطار الوطني العام الذي من شأنه استقطاب كل القوى الوطنية السورية الغيورة على مستقبل وطنها وشعبها؛ قوى تمثل التعددية السورية بأسمائها المختلفة، وتحترم في الوقت ذاته الخصوصيات الفرعية المغايرة، وذلك بموجب عقد وطني يرسخ الوحدة الوطنية الفعلية؛ ويفسح الطريق أمام تفاعل خلاّق بين جملة مكونات الطيف السوري. تفاعل من شأنه التمهيد أمام تغيير وطني ديمقراطي منشود، ينأى بالبلد عن التفجيرات، ومختلف أشكال التخريب التي يقدم عليها عادة أولئك الذين يدركون بحسهم المخابراتي أن أيام الاستئثار اللامشروع، والمجد الكاذب، قد باتت محدودة...

وما يستنتج من خطاب فصائل وقوى المعارضة السورية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها، هو أن المؤتمر الوطني العام يُعد الفضاء الأنسب للتلاقي والتعرف عن قرب؛ ومن ثم الاتفاق على الثوابت الوطنية والقواعد الديمقراطية التي من شأنها وضع وحدة البلاد على رأس قائمة الأولويات، وترسيخ اسس التعامل الديمقراطي بين نظام الحكم والشعب، نظام مدني منتخب يتمثل في ذاته تعددية المجتمع السوري بأوسع معانيها، ويعمل جاهداً في سبيل المحافظة على مصالح الشعب السوري بأكمله، من دون أي تمييز أساسه الجنس أو الدين، القومية أو الفكر.....

أما القوى المرشحة لأداء دور فاعل في عملية التحضير للمؤتمر الوطني العام، وتهيئة المقدمات الصحيحة للشروع بعقده في اقرب وقت ممكن، فهي تتشخص في تيارات أربعة هي:
- التيار القومي العربي الديمقراطي.
- التيارالقومي الكردي الديمقراطي.
- التيار الديني المعتدل.
- التيار اليساري.
وكل تيار من هذه التيارات يضم أطرافاً وهيئات وشخصيات تتمركز اهتماماتها حول الهم المشترك الذي يستمد منه التيار اسمه ومشروعيته.

لكن خطوة كبيرة وحاسمة كهذه لن تتحقق ما لم يقدم كل طرف بجرأة وموضوعية على مراجعة أساسية لجملة مواقفه وتوجهاته، يتحرر بموجبها من نزوات التعصب والتطرف والانعزال؛ ويقطع مع الخطاب الايديولوجي البعثي الاستعلائي السائد؛ ويؤكد في المقابل أهمية الاعتدال والاعتراف بالآخر المختلف؛ والاقرار بالمساواة في الحقوق والواجبات ؛واحترام الخصوصيات في اطارها الوطني الشامل. كل ذلك يستلزم عهوداً مكتوبة واضحة لا لبس فيها، تمنح الناس الطمأنينة والثقة بالمستقبل بعيداً عن الوعود الهلامية التي سرعان ما تتبخر عند المنعطف الأول..........

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)