هل يكون تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل نيف وثمانية اشهر المرتقب صدوره قريباً جداً مليئاً بالاسماء والوقائع والتفاصيل ام خالياً منها ومليئاً بدلا من ذلك باسئلة وتساؤلات وعلامات استفهام وشبهات واستنتاجات سياسية او شبه سياسية؟ هل يطال التقرير المذكور سوريا ويشير الى مسؤولية ما لها عن الاغتيال، هي التي وجهت اليها اصابع الاتهام عفويا من جهات لبنانية وخارجية معينة وعمدا من جهات اخرى، ام يوجه اصابع الاتهام الى جهات محلية او اخرى خارجية غير سورية؟ وماذا سيكون رد الفعل السوري وخصوصا في لبنان في حال حمل التقرير دمشق مسؤولية الاغتيال؟ وماذا سيكون رد الفعل في لبنان وخارجه في حال ابقى التقرير سوريا بمنأى وان نسبياً عن وجهة الاغتيال؟ وهل يمكن ان يقع اللبنانيون في فخ ردود الفعل على التقرير ايا يكن مضمونه ام يتقيدون بمصلحة البلاد والعباد ربما للمرة الاولى في تاريخهم هم الذين تصرفوا دائما انطلاقا من مصالحهم الخاصة والفئوية؟ ما هو التأثير الذي تركته التطورات اللبنانية منذ نحو سنة على سوريا؟ وما هو الوضع الحقيقي داخل سوريا اليوم على صعيد الشعب وعلى صعيد النظام؟ وما هو مستقبل العلاقة السورية الاميركية في ضوء المواجهة الصعبة القائمة بين دمشق وواشنطن منذ حرب العراق وقبلها بقليل والتي تحولت شرسة منذ اغتيال الحريري؟ هل سوريا جاهزة لـ"صفقة" مع اميركا، بشروط اميركا؟ هل اميركا جاهزة لـ"صفقة" مع سوريا بشروط سوريا؟ ام ان الصفقة الوحيدة المتاحة هي التي تكون تكرارا وان منمقا للصفقة التي حصلت بين اميركا وليبيا؟ هل الفتنة المذهبية وتحديدا السنيّة والشيعية في لبنان ممكنة بسبب التطورات الجارية ومن ضمنها التقرير المرتقب لميليس؟ ما هي العلاقات الحقيقية القائمة حاليا بين سوريا بشار الاسد ومصر حسني مبارك ومملكة عبدالله بن عبد العزيز؟ هل سيستقر العراق ام لا؟ وهل نضجت ظروف التحسن في العلاقة بين واشنطن وطهران؟

هذه الاسئلة الكثيرة والصعبة التي لا يمكن تقديم اجوبة عنها بسهولة وخصوصا من اصحاب الفكر المنهجي والعقلية العلمية، واخرى كثيرة غيرها تقلق اللبنانيين الذين لم يعودوا يعرفون اذا كانت المرحلة الانتقالية الراهنة التي في ظلها يعيشون ستفتح الباب على استقرار امني سياسي يضع البلاد فعلا على طريق العافية الصحيحة أم ستفتح "ابواب جهنم" عليهم، كما لوّح بعض الاشقاء في وسائل اعلامه الرسمية. لذلك توجهنا بها الى المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية في محاولة للحصول على أجوبة مستفيدين لتحقيق ذلك من عقله الراجح واطلاعه الواسع وفكره الثاقب وموضوعيته فضلا عن حسه الوطني والعربي والاسلامي. سألناه اولا عن الوضع او التأثير الذي سيتركه التقرير المرتقب للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري سواء كان "مليئا" بـ"أدلة" توجه اصابع الاتهام الى اركان النظام الامني اللبناني الموجودين في السجن حاليا والى سوريا في شكل او في آخر او كان خاليا من هذه الادلة. اجاب: "طبيعي ان هذا الحَدَث الضخم أي اغتيال الرئيس الحريري استطاع ان يدخل لبنان بكل تنوعاته في مناخ الخطوط الدولية التي بدأت تتدخل في الشأن اللبناني من خلال خطوطه القضائية. لأن القضية هي ان المسألة الدولية قد اقحمت نفسها في هذه المسألة بحيث أبعدت اللبنانيين، في المرحلة الاولى، على الاقل عن ان يكون لهم دور او موقف في هذه المسألة. ولذلك فإننا نلاحظ ان هذا المسار الذي سارت فيه هذه القضية في الحركة السياسية شغل الكثيرين الذين تنوّعت مواقعهم من خلال تنوّع استفادتهم من هذا الحَدَث. ونحن نعرف ان هذا الحدث قد استطاع كثير من اللبنانيين ان يستغلوه استغلالاً سياسياً حتى شعرنا ان كل واحد من هؤلاء الذين كانوا مختلفين مع الرئيس الحريري او كانوا في الموقف السلبي معه أصبحوا ام الولد مما أوجد الكثير من الجدال الذي يُسجّل فيه فريق هنا أكثر من نقطة على فريق آخر هناك.

من الطبيعي ان هذه التطورات السياسية او التمنيات الاجرائية – إن صح التعبير – استطاعت ان تستفيد من بعض الاشارات، أو المعلومات التي تتحدث في بعض المناخات عن فراغ هذا الملف سواء داخلياً او اقليمياً. لهذا فإن المسألة التي تواجه الواقع اللبناني بعد اعلان التقرير ليست مسألة امنية، على مستوى الواقع الأمني الذي قد يُدخِلَ اللبنانيين في مشكلة يحارب فيها بعضهم بعضا. فهذا الأمر قد تجاوزه اللبنانيون سواء من خلال طبيعة ما يملكون من إمكانات للفتنة او من خلال طبيعة التدخلات الخارجية الاقليمية والدولية التي قد تدخُل في هذا الاتجاه كما حصل في الماضي.

ولكن اذا كان التقرير – اضاف المرجع الابرز – يؤدي الى الحديث عن ان هذا الملف لم يحتوِ على أي اتهام لهؤلاء الذين اثار اعتقالهم الجدال، والحماسة لدى فريق من الناس على اساس ان التحقيق استطاع إثبات – وإن لم يثبت – أنهم في دائرة الإدانة في هذا المجال، فان الهيكل سيسقط على رؤوس الكثيرين ممن استغلّوا هذا الحدث، أو الاعتقال استغلالاً كبيراً جداً، لأن ذلك يثبت بأنهم لم يكونوا صادقين مع أنفسهم في إدانة هؤلاء الناس. أما اذا ثبت ان هناك حقيقة في داخل هذا الملف فمن الطبيعي جداً ان هذه المسألة ومن حيث المبدأ لن تُحدِثَ شيئاً كبيراً مغايراً لما يجري منذ فترة لأن الاوضاع ومسار القضية، منذ التظاهرات التي اتهمت هؤلاء ومنذ الحديث عن النظام الأمني اللبناني – السوري، قد استطاعت ان تستنفد كل شيء في هذا الملف، او في مسألة الاتهام لهؤلاء. ولكن تبقى أمام المراقب، مفاعيل هذه النتيجة: هل إن القضية تقتصر على هؤلاء ومن يتّصل بهم؟ أم أن القضية تتحرك في الواقع اللبناني على مستوى رئاسة الجمهورية؟ أم على مستوى الواقع السوري، على مستوى علاقة سوريا بالموضوع؟ هذا موضوع قد لا يستطيع الانسان ان يعالجه بشكل حاسم وبهذه السرعة".

قلتم ان الهيكل سيسقط على رؤوس الكثيرين اذا كان التقرير فارغا واذا كان الجنرالات المسجونون ابرياء. كيف سيسقط وبأي طريقة؟

مصادر
النهار (لبنان)