في حين يطغى الحديث ، بل تطغى الأفعال حول موضوع الضغط على سوريا ، وكذلك الأمر حول عزل سوريا عن العالم العربي فضلاً عن باقي العالم ، فمن الطبيعي أن يحاول المواطن السوري أن يتلمس عبر الأخبار والتقارير والزيارات ، يحاول أن يجد ما يبدد قلقه على الأقل من هذا الجانب ، يحاول أن يجد من يقف مع وطنه في هذه الأيام التي يريدون لها أن تكون أقسى من القسوة ، وكأنها نهاية المطاف ، وكأن المشهد العراقي حاصل لا محالة على أرض الشام ، لكن بصورة أدهى ، لأن الأمريكان تعلموا الدروس في العراق .

بحث المواطن السوري في الشام عن حليف لوطنه ، مشروع بدرجة عالية ... فهو ربما ينسى في الظروف العادية ، أن جيش سوريا – وبغض النظر عن الصواب والخطأ – حاول في الأردن ما حاوله ، وحاول كذلك من أجل في لبنان ، وحاول من أجل الكويت ما حاوله ..... أقول ربما السوري ينسى في الظروف العادية كل ذلك ، لكن حين تحيق بك ظروف عصيبة ، فمن الطبيعي أن تنظر حولك وبعد أن تناشد الله العون ، لتسأل : مَنْ أيضاً مُعين من الأصدقاء ... ومن الأخوة .... ؟؟؟

وطبعاً حين لا يأتيك الجواب بالإيجاب ، يأتيك الألم من غير اتجاه وصوب ...

فإذا بررت للأخوة وبعض الأصدقاء أنهم أضعف من أن يحتملوا غضب أمريكا ، فأي تبرير ستجد لعضو أصيل في ( محور الشرّ ) !! ، لزميل شريك في جمعية ( دعم الإرهاب ) !!! خاصة وأن هذا ( الزميل ) يعاني من درجة ضغط ، ومن نفس المصدر ، إن لم تكن أعلى من درجة الضغط عليك ، فعلى الأقل تساويها ، كل ما هنالك أن الأمر متعلق بالتوقيت ، فليس من المحتمل أن يرفع الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن ، في نفس الوقت ، الذي يرفع فيه الملف ( الإرهابي ) السوري .

فإذا حاول المواطن السوري أن يتلمس عملياً وليس بالكلام ، وليس بالبيانات بعد الزيارات ، إذا حاول أن يتلمس الأفعال التي تشير إلى أن تحالفاً حقيقياً قائماً بين سوريا وإيران ، فهل سيجد أي شيء يريح قلبه في هذه الظروف ؟؟

ربما سيقال وهل من الضروري أن يلمس المواطن نتائج هذا التحالف حتى يقرر إن كان هذا التحالف موجوداً أو غير موجود ؟؟

لكن .. ألا يلمس المواطن العادي أن هناك خللاًَ استراتيجياً كبيراً في سياستي سوريا وإيران وخاصة في هذه الظروف ، ويتجلّى هذا الخلل في : عدم التوافق الظاهر للعيان حول الشأن العراقي !!

ألم تختر أمريكا كضربة أولى افغانستان ، لتحيط هي ودولة اليهود بالمحور الذي كان يُخشى أن يتشكل بعد حصار العراق وهو محور بيروت دمشق بغداد طهران ؟ ثم ألم تختر في الضربة الثانية بغداد لتضع طهران على جبهتين في افغانستان والعراق ، يسرح ويمرح فيهما الجيش الأمريكي كما يشاء ، وتضع في نفس الوقت دمشق بين جيش أمريكي في العراق وجيش يهودي في فلسطين بعد أن استطاعت دمشق امتصاص الخطر التركي ؟ وألم تختر في الضربة الثالثة بيروت لتستهدف كل حليف يمكن أن تعتمدا عليه خارج الحدود ويمكن أن يشكل ( ورقة رابحة ) كما يقال في المصطلحات السياسية ؟

فإذا كانت رؤيا دمشق استكشفت المستقبل منذ قمة شرم الشيخ ، فكان موقفها من الحرب على العراق متفرداً في رفضه الواضح والصريح لهذه الحرب ، تماماً كما كان موقفها متفرداً في حرب العراق على إيران ... فماذا كان الموقف الإيراني الفعلي من هذه الحرب ؟؟

ثم ألا يشير الضغط الحالي على سوريا وتعدد أطراف الضغط ، والتأجيل الدائم للضغط على إيران وتعدد الأطراف التي تقترح الحوار وتساهم فيه ، ألا يشير ذلك لو في أحد الجوانب ، إلى تباين في الموقفين السوري والإيراني من المسألة العراقية ؟

هل من الحكمة أو المصلحة الإيرانية البحتة ،أن تنتظر إيران نهاية الملف السوري نهاية مفجعة فيأتي دورها دون حليف في لبنان أو سوريا ؟؟

أم أن الحكمة والمصلحة السورية الإيرانية المشتركة ، تقضيان بأن يتم التوافق على رؤيا واحدة حول العراق ، تحفظ سيادته ووحدته من جهة ، ومن جهة ثانية تحوّل الوجود الأمريكي في العراق من وجود ضاغط ومُهدِّد ، إلى وجود يعاني ومُهدَّد ؟

فإذا كانت إيران تملك هذه الورقة ، وتعرف أنها تملكها ، فالمهم أن تعرف متى تلوح بها ، لا أن تلوح وفي هذه الظروف بإزالة ما يسمّى بـ ( إسرائيل ) من الوجود .

إن الادعاء أن إيران لا تملك خيارات مربكة للوجود الأجنبي في العراق ، وخاصة في جنوبه ، هو ادعاء غير مقنع ..... وإن إيران تعرف أن الوجود البريطاني في الجنوب العراقي إن بدأت معاناته ، فإن ظروفاً في غاية الخطورة ستواجه مخططات أمريكا في المنطقة ، وليس في العراق وحده ، وإنّ الرؤية الأوروبية للكسب من الاشتراك في الحرب على العراق ، ستعيد النظر في موقفها مرة أخرى إن بدأت المعاناة البريطانية .

هذه المعاناة البريطانية تختلف اختلافات جوهرية عن المعاناة الأمريكية ، بسبب النظام البريطاني العام نفسه : رأياً عاماً وإعلاماً ونظاماً برلمانياً ونظاماً عسكرياً ..... فلن يكون هذا النظام البريطاني العام ، الذي ما زال ينظر بطرق مختلفة ، برلمانية و شعبية ، بجدوى الإذعان للقرار الأمريكي ، هذا النظام لن يكون قادراً ضمن هذه الظروف على تحمل خسائر ملحوظة ، وخاصة البشرية منها .

إذا كانت السياسة الأمريكية الصهيونية ، لا تجمع قوة الضغط في أكثر من مكان ، وإن كانت لا توقفه ... لكنها تارة تصعّده في كوريا ، وتارة في إيران ، وأخرى في سوريا .... لأنها تدرك أن هذا الجمع لقوة الضغط في أكثر من مكان ، لن يكون طريقاً للاستسلام في أي مكان ، بل هو بالتأكيد جمع لقوة الانفجار في أكثر من مكان .

هذه الظروف العصيبة التي تواجه اليوم سوريا ، ستواجهها إيران بعد حين ، وإن أحد أهم ما يمكن أن ينقذ ، ليس سوريا وإيران فقط ، بل المنطقة من مخططات أمريكا الصهيونية ، هو إعادة العراق إلى دائرة الفعل الذي يتناسب مع قيمة العراق وحجمه وتاريخه ، وذلك من خلال إطلاق مقاومة شعبية شاملة ، تُدعم تكتيكياً أكثر في الجنوب ، فتكتسب هذه المقاومة شرعيتها من شموليتها ، بدلاً من إطلاق الصفات المذهبية والطائفية عليها ، مما يفقدها في ، نظر بعضهم على الأقل ، مشروعيتها ، وإن شمولية المقاومة وفعاليتها في الجنوب يجعلها أقدر على تنقية بنيتها مما علق بها من قادة عملاء للموساد يوظفون جهل الجهلة في أعمال ، تبرر إطلاق صفة الإرهاب عليهم بدل أن يكونوا مقاومين .

إنها دعوة لإعمال النظر في التحالف السوري الإيراني ، في جدواه وفعاليته ، وربما تجعل الظروف القائمة ، والتي تطال مخاطرها حزب الله ، تجعل من حزب الله طرفاً أساسياً في جمع سوريا وإيران على إعمال النظر هذا .
30 – 10 – 2005