قررت واشنطن، بعد تردد، إدراج اسرائيل في مشروع الشرق الاوسط الكبير: لا حاجة الى القول انها ستكون نموذجاً، لا حالة تستدعي الاصلاح والتغيير، على غرار بلدان العالمين العربي والاسلامي التي تخضع اليوم لشتى أنواع الاختبارات السياسة الاميركية.

هي نقطة تحول جوهرية في السياسة الاميركية، بقدر ما هي ارتقاء مذهل بوظيفة اسرائيل الاقليمية، يتخطى كل ما كان يتضمنه الخطاب العربي والاسلامي التقليدي عن مساعي دمج الدولة اليهودية في محيطها، على قاعدة الاعتراف المسبق بحقها في الوجود والتسليم المبكر بحدودها الامنية النهائية والتطبيع الكامل للعلاقات معها.
الدلائل كثيرة على أن عناصر ذلك الخطاب انقلبت في الحقبة الاخيرة من الصراع رأساً على عقب، وباتت اسرائيل هي التي تمنح أو تحجب الاعتراف بحق أي دولة عربية أو إسلامية في الوجود، وهي التي تساهم في رسم الحدود الامنية والسياسية لتلك الدولة، وهي التي تساوم حول درجات التطبيع التي يمكن أن تباركها بها.

لكن القرار الاميركي يوحي بأن اسرائيل لن تظل شأناً من شؤون السياسة الخارجية لأي بلد عربي أو إسلامي، يخضع في الغالب للحسابات والضغوط الدولية، ويأخذ في الاعتبار تحولات القضية الفلسطينية ، بل ستتحول الى تفصيل داخلي يحكم النقاش الدائر حول عناوين الاصلاح والتغيير وانتشار الديموقراطية وحقوق الانسان في مختلف الدول العربية والاسلامية.

السلام مع اسرائيل لم يعد يشكل أحد شروط نجاح عملية الاصلاح في أي بلد عربي أو أسلامي، خصوصا أن الاسرائيليين لم يعودوا تواقين كما في الماضي الى التواصل مع محيطهم الاقليمي: من الآن فصاعداً بات العرب والمسلمون مدعوين الى الانسجام مع المعايير الاسرائيلية الداخلية، والاعتماد على التجربة اليهودية في تشكيل مجتمع ديموقراطي متعدد الاعراق والقوميات، وفي احتواء المخاطر الداخلية التي تتهدد ذلك المجتمع.

وفي هذا السياق، لن يكون من الغريب أن تتكرر وتتوسع الدورة الدراسية المرعبة التي خضع لها هذا الاسبوع ضباط كبار من خمس دول عربية هي مصر والاردن والجزائر وتونس والمغرب في مقر سلاح الجو الاسرائيلي في هرتسليا، لاكتساب الخبرات الاسرائيلية في مكافحة الارهاب، وبينها بشكل خاص اغتيال رموز الانتفاضة الفلسطينية وقادتها بطائرات من دون طيار، برغم ان مشروع الشرق الاوسط الكبير لا يعنى بإصلاح وتطوير المؤسسات العسكرية والامنية العربية، التي تعتمد على برنامج أميركية مختلفة.

لا تخرق تلك الدورة الدراسية المشينة واحداً من أهم المحرمات العربية فحسب، لكنها تؤسس لتقبل فكرة الاستعانة اللاحقة بالخبرات الاسرائيلية في شتى المجالات الداخلية العربية، وتمهد لوجود اسرائيلي ثم لتدخل اسرائيلي مباشر في أي نقاش أو حوار أو منتدى عربي أو إسلامي ترعاه أميركا حول قضايا الاصلاح والتغيير في العالم العربي والاسلامي، التي لا تقتصر على محاربة العداء للسامية أو الاقرار بالمحرقة النازية لليهود!

مصادر
السفير (لبنان)