تدرك الولايات المتحدة أن "مؤتمر السلام" سيختلف نوعيا عن أي تجربة سابقة، لأنه اليوم ينعقد على مساحة الخلاف الدولي والإقليمي، وربما يشكل ضرورة لخلق عملية فرز ضمن هذه الخلافات. فالمسألة ليست نجاح أو فشل المؤتمر، لأن مسألة السلام لم تكن يوما مرتبطة بالإرادة السياسية، وهي في الشرق الأوسط تحاول الدخول إلى أعقد تكوين اجتماعي يتداخل فيه التراث مع صراعات الحاضر.

مؤتمر مدريد كان يحمل نتائج الارتداد السياسي لمرحلة الثمانينات، ونشأ على نجاحات الإدرارة الأمريكية في عهد بوش الأب في خلق إجماع دولي على مسألة تحرير الكويت، وشهدنا بالفعل انتقال من السياسة إلى الثقافة الاجتماعية، ورغم أن هذه النقلة بنيت على أنقاض انهيار أحلام التنمية والتغيير الاجتماعي و "حرب التحرير"، لكنها سرعان ما انتقلت إلى البنية الثقافية. وبدأت عمليات تنظير واسعة لضرورة السلام، بدلا من بحث "السلام" نفسه وما يمكن ان يقدمه.

والمؤتمر الذي يتم طرحه اليوم يبدو على نقيض "مؤتمر مدريد"، فهو ينطلق خارج القاعدة التقليدية التي استند السلام إليها، وبنفس سياق "كسر المألوف" التي تعمل بها الإدارة الأمريكية، فإن المؤتمر القادم يحاول اكتساب شرعيته من التناقض الذي تكون منذ احتلال العراق، واستثمار طبيعة الخلافات السائدة. فهو عمليا لن يخلق عملية فرز في المواقف ولكنه سيكسب الصراع السياسي القائم اليوم سمة عامة، بحيث لا يمكن الرجوع عن التناقضات في الشرق الأوسط.

كانت أول الإشارات في هذا الموضوع "التحفظ" السوري الذي برز في اجتماعات مجلس الجامعة العربية، فالمؤتمر سينعقد على مساحة "تجزئة" السلام، وعلى بنية سياسية إقليمية لم تكتمل، بل مازال الصراع فيها واضحا منذ احتلال العراق. فالمؤتمر هو "محاولة" كسب سياسي، لكنه يؤسس أيضا مساحة عمل لا تعترف بأن "الصراع" الحالي لا يمكن حسمه بالإجراء السياسي، وهي أيضا مساحة عنف لا تهدف لكسب الوقت إنما تسعى مع الزمن لتبديل المكعطيات الخاصة بهذا الصراع.

ربما لول مرة سنشهد "مؤتمر سلام" يؤسس لصراعات وحروب جديدة، فهو يجري على إيقاع الحشد العسكري في الخليج، وعلى التحليلات التي تتحدث عن حرب قادمة، وينعقد في ذروة الأزمة إقليميا ودوليا مستهدفا أطرافا محددة.. هذه الصورة يمكن أن تكتمل مع بداية أيلول حيث يصبح "السلام" جزء من سياسة الحروب الاستباقية التي تخوضها الولايات المتحدو.