أقيم في عمان بين 2 و 7 أيلول الجاري مهرجان سينمائي يجمع بين السينما العربية والاوربية في عروض شعبية تحاول استعادة جمهور انقطع عن الشاشة البيضاء ليتفرغ لمشاهدة "DVD" الاميركي أو آخر صرعات كوميديا المهرجين الجدد من مصر في محاولة لإعادة ألق الثقافة بمعناها الانساني البسيط الى الناس وهم في حاراتهم وحدائقهم ومقاهيهم في دعوة مفتوحة للمشاهدة ، أو دعوة مفتوحة لإعادة النظر في سينما طغت عبر كمية منتجاتها أو سيطرتها على شاشات العرض الخاصة من تلفزيون وفيديو حيث بدت الفرجة الجماعية في الحدائق ممتعة وذات طقس جميل .

من جهة ثانية بدا كرفان السينما بالاضافة الى كونه محاولة لتفاهم انساني عربي اوربي ، بدا وكأنه نوع من الأعتراض السينمائي على أمركة هذا العالم الابداعي فالطوفان الآميركي أغرق عالم الفرجة وجعل من المحاولات الابداعية في صف ثان بعيد عن العين والقلب .

في المقام الثالث فقد شكلت الافلام المعروضة نكهة جديدة اذا لم نقل صدمة للمشاهدين العاديين الذين ظهرت لديهم أعراض الكبت والجهل بالسينما كما هي خارج اطر الرقابات المتنوعة الرسمية والاجتماعية ، بالاضافة الى تناولها لمواضيع ومسائل مسكوت عنها بحكم التغيرات الثقافية السريعة .

مسألة رابعة قدمها هذا المهرجان وهي امكانية صناعة الأفلام بميزانيات صغيرة وحتى دون ميزانيات عبرتقنيات الديجتال المحدثة في تحريض واضح لجيل الشباب للدخول الى هذا العالم الثر .

تناولت الافلام العربية المعروضة وهي الافلام الأكثر حضورا بسبب عدم ترجمة الافلام الاجنبية قضايا شديدة المعاصرة والضرورة في مجتمعات تواجه استحقاقات الحياة المعاصرة وهي في حال من الارتباك الخطير. ففي فيلميه الروائيين القصيرين يقدم رامي عبد الجبار مادة فلمية وروائية شديدة الثراء مماحكا مجتمعة في سيرورته البشعة نحو انهيار عوامل الآمان للعيش البشري ، ففي فيلم فلوس ميته ، يضع رامي عبد الجبار شريحة الشباب امام ابواب الحياة المسدودة على العمل والمفتوحة على الجريمة متسائلا بوقاحة ( حميدة طبعا ) عن المصير المنتظر للمكان ( الوطن ) الذي يبدو على حافة الانهيارتحت انظار السلطة ، اما في فيلمه بيت من لحم فهو يفضح حالة التواطؤ التي تسيطر في حالة الحاجة الشديدة حتى ولو كانت هذه الحالة جنسية كما في الفيلم .

أما محمد مصطفى في فيلمه ( اوقات فراغ ) الذي يعاكس فيه موجة افلام الكوميديا المصرية ليقتحم أجواء الشباب الجامعي الذي يعاني من ضياع حقيقي في مواجهة أسئلة الطاقة المكتنزة في اجسادهم وعقولهم .

أما المخرجة الأردنية غادة سابا فقدمت فيلما روائيا قصيرا شديد الادعاء يتكىء على الافكار المباشرة أكثر من اعتماده على الدراما ، حيث جارت المخرجة المصرية ماجي مرجان في أهمية الافكار ولكن الحصيلة السينمائية كانت ضئيلة .

أما فيلم الناقد اللبناني محمد سويد فقد فشل في ايجاد تعاطف مع تجريبيته ، على عكس فيلم ( فلافل ) لميشيل كمون فقد افرح الحضور بجرأته وواقعيته وطرافته وهو من الافلام التي ساعدة الجمهور على اعادة الكرة ومتابعة حضور المهرجان .

فيلم عبد اللطيف عبد الحميد ( ما يطلبه المستمعون ) وكالعادة ابكى الحضور بسبب حدوته البسيطة والمؤثرة بسبب توظيفه الدقيق للأغنية فأتى فيلمه فيلما غنائيا يحتفي بالاغنية وذكرياتها عبر استعادته لبرنامج اذاعي في اذاعة دمشق اسمه ما يطلبه المستمعون .

اما في الختام فكان فيلم سوسن دروزة التسجيلي ، حيث تتعرض دروزة الى تأثير مسألة جواز السفر او بطاقة الهوية في أداء مجموعة من الفنانين العرب من العاملين في اوربا ، حيث تبدو فكرة الحدود متناقضة مع حرية حركة الفن ليكتشف المشاهد ان هناك قضية صعبة ومركبة يواجهها الطرفين في عالم تتساقط فيه الحواجز ليبقى الحاجز الثقافي هو الاكبر . ليبدو المهرجان برمته يعمل على كسر هذا الحاجز بالذات .

في نهاية المهرجان ظهرت الاسئلة ، وعادة ما تكون الاسئلة أهم من الاجوبة . ولكن السؤال الأهم ... السينما في عالمنا العربي الى أين ؟