خطأ تقدير الاحداث بين الاسرائيليين والسوريين سيفضي في نهاية المطاف الي كارثة توجه صحيفة هآرتس أمس صباحا الي الرقابة العسكرية لتسمح ـ مع عدم وجود

خطأ تقدير الاحداث بين الاسرائيليين والسوريين سيفضي في نهاية المطاف الي كارثة

توجه صحيفة هآرتس أمس صباحا الي الرقابة العسكرية لتسمح ـ مع عدم وجود قدرة حقيقية لها بعد علي تعليل الحظر ـ بنشر بريء من المصادر الاجنبية عن عملية الجيش الاسرائيلي في سورية، في السادس من ايلول (سبتمبر)، وجد آخر الامر جوابا بالايجاب. بعد بيبي والـ بي.بي.سي كان الجواب بالنفي علي السؤال الصحيح سيكون أكثر غباء مما اعتادت الصحافة الاسرائيلية سماعه في الشهر الماضي.

بعد اسابيع متواصلة من العمل المحموم، كان بدؤها في الفترة التي سبقت العملية، سمحت لنفسها في الايام الاخيرة العقيدة سيما فعكنين ـ غيل والمقدم رون كرنيالي أن يخرجا لعطلة عيد. سيما فعكنين هي المراقبة الرئيسية، وكرنيالي نائبها الفعلي هو قائد قاعدة الرقابة في تل ابيب. منذ العملية ناضل المراقبون في جبهتين. احداهما الخارجية كانت مضادة للاعلام الاسرائيلي الذي طمح الي الوفاء بواجبه والي أن ينشر عن العملية تفصيلات كثيرة بقدر ما يستطيع احرازها. والثانية الداخلية كانت عن جوهر وجود الرقابة، بضغط الجهاز الحكومي وبخاصة وزير الدفاع ايهود باراك ليغلق أفواه الصحافيين الاسرائيليين اغلاقا تاما. كانت خيبة الأمل من مقدار صرامة الرقابة في اتصالها بالصحافة وبتطبيق تعليماتها قد تفضي بجهاز الأمن الي مداولة في المحكمة. كانت خطوة كهذه ستجعل الرقابة لا حاجة اليها وتضع حدا للاختلاف في الحاجة اليها (يعرفون في الصحافة ايضا الطريق الي المحاكم). وعلي ذلك في حين أضيئت في القرية العالمية مصابيح لماعة واحدا بعد آخر من اضاءة الشارع، احتاج الاسرائيليون الي الاستمرار في تحسس طريقهم في زقاق مظلم.

انقضي أمس جزئيا حفل الأقنعة، ورغم أن التفصيلات المثيرة والمهمة ما يزال محظورا نشرها، أصبح يمكننا أن نحدد انه يستتر من وراء نجاح الاسكات اخفاق كبير. لم يرمِ الصمت الاسرائيلي الرسمي الي الدفاع عن أسرار عسكرية. إن ضحية العملية ومن هو إن لم يكن ذاك، (وإن يكن لا يوجد كثيرون غيره حوله)، يعلم علما جيدا ما الذي كان له وماذا حدث له. نبعت سياسة الكلب العقور غير النابح من فرض ما عن سلوك رئيس سورية بشار الاسد في أعقاب العملية.

ولما كان قد اختير بديل واحد ـ الصامت، فلا ينبغي أن نقول بيقين ما الذي كان سيحدث لو تحدثت اسرائيل واضافت بذلك اهانة الي الضربة. وما يزال يبدو ان الاسد فاجأ اسرائيل مرة اخري فقد ظهر وهو من توقع منه أن يرد علي العملية باجراء حربي. قال الاسد ذلك لا بكلماته فقط في المقابلة الصحافية بل بأفعاله أو اخفاقاته ايضا علي الخصوص.

اذا كانت هناك صفة واحدة تميز الجهد الاسرائيلي لتفسير اجراءات عائلة الاسد في العقود الاربعة الاخيرة فهي توالي الخطأ. إن جمع المعلومات عن القدرة السورية كان علي نحو عام حسنا جدا. لكن التنبؤ بنوايا قادة سورية كان سيئا جدا. فلم يتحقق تقريبا كل ما توقع الخبراء الاسرائيليون أن يفعله الاسد الأب وابنه بعده.

في نهاية 1972 تم تلخيص التقدير الاستخباري لسنة 1973 : لا يتوقع قرار للسوريين (أو المصريين) علي الخروج للحرب. في ايلول (سبتمبر) 1973 جري تفسير الاشارات في الميدان علي انها خوف سوري من هجوم علي اسرائيل. في حرب يوم الغفران ورغم وجود خطة الحرب السورية في مكان ما في شعبة الاستخبارات، اخطأوا في هيئة القيادة العامة وفي قيادة الشمال في تقدير تحرك القوات السورية في هضبة الجولان.

ما ان انقضت الحرب، بانجاز سوري لم يقدر سلفا (اعادة القنيطرة)، حتي عاد الخبراء في اسرائيل الي الخطأ. ففي ربيع 1974 سارعوا الي تقدير أن الاسد يوشك أن يجدد الحرب. وقد استُعمل التقدير المخطئ لتجديد الحكومة ـ تلك التي أوشكت غولدا مائير أن تتخلي فيها عن وزير الدفاع موشيه ديان. ثم كان في الشتاء الذي تلا ذلك ذعر باطل آخر. يمكن دائما بطبيعة الامر أن نقول إن وسائل الاستعداد التي جري الأخذ بها أحبطت تحقق الخطر.

في بداية 1981 أسقط الجيش الاسرائيلي مروحيات سورية ساعدت في مقاتلة الكتائب المسيحية في لبنان. في رد مفاجئ أدخلت سورية بطاريات صواريخ ارض ـ جو في البقاع اللبناني. وفي نهاية تلك السنة أفضي رئيس الحكومة مناحيم بيغن الي ضم الجولان بالفعل. وقد أراد بذلك من جملة ما أراد إحداث حرب مع سورية وان يدفع رئيس مصر الجديد حسني مبارك الي ان يجمد العلاقات مع اسرائيل ويمنحها بذلك ذريعة الامتناع عن اخلاء ياميت. في الخلية الاولي والحيوية من هذه السلسلة كان الاسد قد يرد علي الضم بالقوة. في خرائط الحرب للفرق في الشمال رسمت خطوط الصدام مع القوات السورية في لبنان حتي بيروت. لكن الاسد لم يتحرك وخيب الأمل كثيرا.

في حزيران (يونيو) 1982 خطط الجيش الاسرائيلي، كما ذكرت في المدة الاخيرة مقالة في المجلة العسكرية معرخوت ، أن يهدد جيش سورية في البقاع اللبناني من الجناح، وهو ما كان يفترض أن يجعله يخليه بلا معركة . ومرة اخري رفض السوريون لعب دورهم في العرض. كانت احدي النتائج فشل طابور يانوش بن غال وفرقة مناحيم عينان في احراز المهمة في منطقتهما ـ أي أن يصلا شارع بيروت ـ دمشق قبل أول وقف لاطلاق النار في الحرب.

حذر الخبراء الاسرائيليون طول الثمانينيات، وبخاصة بعد ان فاجأ الاسد بنصبه حول دمشق بطاريات صواريخ ارض ـ جو سوفييتية من طراز سام 5، من انه أخذت تنشأ خدعة كبيرة وأنه سيبدأ هجوم سوري. استعدت اسرائيل لحرب يوم غفران ثانية، لم تأت. وفاجأها انضمام الاسد الي حلف مضاد للعراق في 1991 يشتمل علي ارسال فرقة لمساعدة السعودية في الجهد الحربي الامريكي، وفاجأتها بعد الحرب موافقة الاسد علي ارسال وفد الي مؤتمر مدريد. في 1996 بعد فشل الاتصالات السياسية بين حكومتي اسحق رابين وشمعون بيريس وبين الاسد، تأهبت اسرائيل لهجوم سوري بسبب تحركات ميدانية لقوات سورية وبسبب معلومات واهمة زود بها مستعمل الجواسيس في الموساد يهودا غيل.

يمكن ان نتابع مع هذه السلسلة بعد بحيث يبدأ الفصل الاخير في الحاضر مع فرض عمل السنة الغابرة ـ حرب في الشمال في صيف 2007 ـ وينتهي الان مع الخبراء الذين قدروا أن رئيس سورية الاسد لن يضبط نفسه بسبب عملية ايلول (سبتمبر) وأن السؤال الوحيد هو أي قوة عسكرية سيختار الرد بها. اذا كان السوريون يخطئون تفسير النوايا الاسرائيلية كما يخطئ الاسرائيليون تقدير النوايا السورية فان الخطأ المشترك سيفضي في نهاية المطاف الي كارثة. ولا حاجة لمنعها الي الرقابة بل الي انفتاح أكبر.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)