أثبتت غزة أن "الشرق الأوسط الجديد" ولد بالفعل، وأنه تركنا على مساحتين، وقدم الصور اللازمة كي ندرك أن القوة يصعب أن تبقى رمزا، ولكن في نفس الوقت فإن الثقافة ربما تبدو لينة في بعض أطرافها، ففي غزة كان الموت مقهورا، بينما استطاع البعض التأقلم مع احتلال يبدو بعد سنتين وكأنه من طبيعة الأشياء.

الشرق الأوسط الذي يريد لثقافته أن تكون مرنه يتطور بشكل مذهل، فلا أستطيع التمييز بعد تلك الأيام بين ما حدث ونوعية المفاوضات التي تظهر على سطح العمل السياسي، فما أراه ليس شهداء فقط بل نوع من البحث داخل الحدث عن كلمات قادرة على خلق العزلة للبعض، فهو "شرق أوسط" ممزوج بالقدرة على احتمال الجميع لكنه لا يحتمل نفسه، ولا يستطيع أن يترك لأجيال لم تولد بعد حرية الحركة في مستقبل نريد أن نحكم عليه منذ اللحظة بأنه "مملوك" من زمن "توران شاه".

لا تتعبوا أنفسكم بمعنى أسماء المماليك لأنها تتبدل، ولكن الثقافة التي يمكن أن تظهر تستعيد مفاصل هذا التاريخ، وتكتبه من جديد بمصطلحات مليئة بكسل الصحراء أو حتى بالوجوه الصقيعية القادمة من أروقة الأمم المتحدة، فبعد عامين على حرب غزة نتعلم تناقض الأبجديات داخل الوطن الواحد، وربما في قلب كل منزل تهدم ولا يجد من "يبكي على أطلاله".

بقيت الوجوه الصفراء نفسها تنتقل في عواصم العالم لتؤكد أن ما يمكن فهمه من الشرق الأوسط الجديد باق على الأقل في العيون الجامدة التي تراقب من منصة المؤتمرات ما يحدث داخل الانفاق أو على معبر رفح، فغزة في "القوافل الإنسانية" هي حالة كسر لحلم النصر الذي حمله الصبية عشية ظهور "الرصاص المسكوب"... وانسانية غزة ممزقة على سطح الحملات التي تبدو أقل من أن تعيد لونا للتحدي.

الزمن في غزة كان "مسكوبا" لحظة أن أدركنا أن المسألة مرتبطة فقط بـ"غطاء" عربي تشكله لجنة المتابعة، ويستمر الزمن في "انسكابه" لأن الحياة ليست لحظات و "مبادرات" و "استيطان" نعرفه أكثر من غيرنا، وفي اللحظة التي تتحول فيه غزة إلى اللون الأحمر سندرك أن التحول بدأ وأن "الشرق الأوسط الجديد" سيكون جديدا بفعل الأجيال القادمة وليس بقدرة الأمر الواقع.