في كل لحظة يمكن أن أستيقظ على صور لا يمكن نسيانها، وهي ليست المرة الأولى الذي تخنقني الذاكرة أو أعود إلى خطوط التماس مع الذات، فحيث يبدأ الإرهاب ندخل في منطقة السواد التي تطال الجميع، فنحن موجودن في دائرة واحدة، ويمكن أن نسبح في الألوان المختلفة، لكننا سنصبح بلون الصحراء عندما يبقى اللون الرمادي نهائيا أو حتى خلاصة لهروبنا الكبير من الأفق باتجاه "المغاور" أو الجبال القادرة على طرح "كلمات" سقطت من قاموسنا المعاصر.

هناك مساحة مازالت متبقية من الطيف الذي يكلل الوطن، وهناك أيضا من هو قادر على إغراقنا بكلام يجعلنا نتقيأ أو نختنق من الرمل الذي يميز "الطيف الضيق" فلا "الحوار" ولا "التعايش" يمكن أن يقنعني بأن عليّ خلق تميز لنفسي ولذاتي بعيدا عن الآخرين، وإذا بدأ الجميع بترداد الاستنكار أدركت أن المسألة ليست ملاحقة أفراد في شوارع العراق، أو تدمير الفرح في رأس السنة داخل مكان للعبادة، بل هو حجم الثرثرة الذي نقدمه كي نحرج بـ"تنظير" أعمي يقودنا نحو التيه.

أريد أن أسبح في ألوان الطيف في ليلة رأس السنة رغم العنف الذي يطوق بغداد أو الاسكندرية، وأصرخ على خلاف الجميع بـ"بالدم أفدي التنوع" وبه أحيا وأبقى، وعلى مساحته أفهم كيف الهوية تظهر من القدرة على الانسياب داخل هذا الطيف الذي ينقلني ما بين الأقصى وكنيسة القيامة، وما بين أيقونة باقية ودم الحسين الذي يكلل جبيني، فهل أروع من الرموز التي تدفعني للعشق من جديد.

هي حياتي وحياتهم... منفاي ومنفاهم... هي الانطلاق بعيدا عن ضيق الكلمات التي يحملها البعض لحظة الفجيعة، فيتجدد العشق وسط الموت، ثم تتشكل من جديد جوقة فرح عن "المذبح" وتبدأ المناولة.... فأرى الطيف الذي يدفعني نحو الصراخ كي استعيد مجد "الهوية" تلك التي جعلتني في منفى قبل أن أغادر الوطن وقبل أن انتقل في شوارع بغداد ثم اقبل جسر الأعظمية.

في حينا رواية عشق تسير فوق الموت، وقصص عابرة عن رحيل دائم لكنه ينتهي في لحظة الوجد التي يحلق بها الجميع نحو وطن رغم الخوف نبنيه بالتحدي الذي يتجاوزنا لأنه الإرث الوحيد لتنوع مازلت أفخر به.