مع كل الاحتمالات التي فتحها الاعتداء "الإسرائيلي" فإن الحسابات الداخلية بالنسبة لـ"تل أبيب" تبدو واضحة، وذلك عشية ترتيب الأوراق الانتخابية بالنسبة لكل طرف وعلى الأخص بالنسبة لـ"الليكود"، فما يحدث لا يشكل "خيارا عسكريا" بالنسبة "للسياسة الإسرائيلة" بقدر كونه خرق في التوازنات الداخلية وإظهار حزم في الملفات التي تدفع الناخب لإعادة النظر بالقوى وبرامجها الانتخابية.

وما حدث لا يحمل رهانات عسكرية أساسية على الصورة النمطية التي ظهرت الحروب مع غزة، لأنه يتجه نحو ما يسميه البعض "الجبهة المؤجلة" كونها قادرة وفق ظروف مختلفة تغير نوعية الصراع أو إعادة أشكال المعركة إلى جبهات تقليدية، فالملاحظ أن الجبهة مع سورية اشتعلت أكثر من مرة خلال العامين الماضيين، وبصورة غير مألوفة ولا تحمل معها صراعا وفق نمط واحد، فمن محاولة تجاوز المنطقة العازلة التي تمت قبل عام ونصف في ذكرى النكبة، إلى تجاوز سورية لمسألة هذا المنطقة عبر الدخول المسلح لملاحقة بعض المجموعات، وانتهاء بالاعتداء الأخير الذي شكل تطورا غير مسبوق في الحدث السوري أو "الإسرائيلي.

بالنسبة لـ"إسرائيل" فإن ما قامت به تم "التعتيم" عليه ليكتسب نوعا من الأهمية الخاصة، وهي بهذا السيناريو تعيد ما قامت به يوم ضربن منشأة الكبر في منطقة دير الزور، والأمر لا يتعلق بأهمية الموقع السوري، بقدر كونه إضفاء لطابع استخباراتي على العملية تمنح جدية لنية "القيادة الإسرائيلية" مواجهة الأزمة السورية على طريقتها.

عمليا سبق الاعتداء سيناريو "هوليودي" قام به نتنياهو وذلك عبر افتعال خطر من الأسلحة الكيميائية السورية، وذلك في وقت نشطت في التحالفات من أجل تشكيل "حكومة إسرائيلية" موسعة، وهو ما يؤشر إلى أن الاعتداء الأخير هو:

 كسر لحاجز الخوف من العمليات العسكرية "الإسرائيلية"، وذلك مع ازدياد الضغط على "الجيش الإسرائيلي" بشأن إخفاقه في تحقيق مكاسب تدعم سياسة الحكومة.

 إظهار جدية أمام "حلفاء إسرائيل" بشأن مخاوفها، فالقضية ليست في الأهمية الفعلية للمنشأة السورية، بل في إثبات أن حكومة نتينياهو ستمضي لأبعد الحدود لـ"درء المخاطر" التي تحيط بها.

 الأهم بالنسبة لـ"إسرائيل" هو العودة التدريجية لـ"معادلة القوة" بالنسبة لسكانها، فالعجز المتكرر عن إيضاح قدرة الحكومة عسكريا على تحقيق مكاسب واضحة تحتاج إلى ممارسة "اعتداءات" مختلفة يتم من خلالها تعبئة "الشارع الإسرائيلي" من جديد.

ضمن هذه الصورة يظهر الاعتداء الأخير كنقطة مركزية تمحورت عليها السياسة "الإسرائيلية" سريعا، وظهرت ردود الفعل داخلها كعامل مساعد لرسم مخاوف متجدد حيال "الرد السوري" أو حتى احتمال قيام حزب الله بشيء ما، رغم أنها تعرف طبيعة الظرف الإقليمي الذي سيجعل من أي رد صعبا، وربما يدفع الأزمة السورية للدخول في انزلاقات غير محسوبة.

الاعتداء حصل وربما المطلوب بالنسبة للأطراف السورية استيعاب الرسالة التي نقبتها "إسرائيل" باتجاه الجميع، فهي لا تؤكد فقط على تحديد العدو بل أيضا تقدم شرطا سياسيا لـ"الناخب الإسرائيلي"، وفي نفس الوقت تلوح لكافة الأطراف السورية كي ترى نوعية التوازن الإقليمي القادم.