يخطىء من يعتقد انه اذا كانت سوريا قدانسحبت من لبنان عسكريا، تكون قد انسحبت منه سياسيا ايضا. اذ ان ما يرافق عملية تشكيل اللوائح في اكثر من دائرة انتخابية هو اكبر دليل على ذلك. وقد فتح الخلاف بين العماد ميشال عون مع المعارضة الثغرة التي تتسلل منها بقايا الاستخبارات السورية لتجعل منها رافعة لرموز السلطة ولحلفاء سوريا “طلال ارسلان، سليمان فرنجيه، الحزب القومي”. خصوصا بعدما اعلن عون اثر عودته انه لم يعد يرى فارقا بين معارضة وموالاة في لبنان بعد انسحاب القوات السورية، فكلاهما سواء في نظره، فساوى بذلك بين زعماء المعارضة الذين خطبوا في الجماهير المحتشدة في ساحة الشهداء مطالبين بصوت عال بانسحاب القوات السورية من لبنان وزعماء الموالاة الذي خطبوا في جماهيرهم المحتشدة في ساحة رياض الصلح مطالبين ببقاء هذه القوات لمواجهة القرار 1559 والحؤول دون تنفيذه.

يقول سياسي معارض شارك في بعض الاتصالات التي جرت مع العماد عون وهو في باريس واطلع على تفاصيل الاتصالات التي تابعها سواه، وفضل عدم ذكر اسمه حرصاً منه على البقية الباقية من الأمل في الوصول ولو الى الحد الادنى من الاتفاق في بعض دوائر الجبل والشمال، انه اقترح على العماد عون ان يشارك في “لقاء البريستول” وان يعود الى البلاد بحماية المعارضة والشعب، بحيث يجرى له استقبال حاشد في المطار مما يجعل السلطة لا تجرؤ على تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة بحقه، وان هي فعلت، فانها تكون هي البادئة فتحول عندئذ بفعلتها هذه التظاهرات الشعبية السلمية الى ثورة شعبية تطيح كل رموز السلطة. لكن العماد عون فضل ان تتم عودته الى لبنان بصورة سلمية وهادئة، وقال انه على اتصال ببعض القريبين من السلطة لترتيب هذه العودة وبالتالي تسوية ما يترتب له من تعويضات مستحقة وتقدر بملايين الدولارات.

وتمت في ما بعد زيارة رئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني مع النائب اميل لحود للعماد عون في باريس. وهي الزيارة التي اثارت كثيرا من الاقاويل والاشاعات منها الكلام على اتفاق يتيح للعماد عون العودة بعد اصدار قرار من المحكمة بالغاء مذكرة التوقيف بحقه، والابقاء على الدعوى على ان ينظر فيها مطلع تموز المقبل. وكان لذلك تفسيرات شتى منها ان عدم بت هذه الدعوى هو لابقائها سيفاً مصلتاً فوق رأس العماد عون حتى اذا ما أخلّ بتعهداته وبما وصفه البعض بالصفقة، يصبح مهددا باصدار حكم ضده، ومنها ان تأجيل بت الدعوى كان بمثابة تغطية لما تم الاتفاق عليه.

وحسب السياسي نفسه، فانه عندما جرى البحث بين بعض المعارضين والعماد عون في الاسس التي ينبغي اعتمادها لتشكيل لوائح انتخابية موحدة ومشتركة في كل الدوائر، ثم الاتفاق على اعتماد الآتي:

اولاً: عدم اشراك اي من رموز السلطة وحلفاء سوريا في اللوائح الانتخابية وان تقتصر المشاركة فيها على المعارضين الاصيلين والاصليين، وهو مبدأ اعتمده العماد عون في الانتخابات البلدية، وادى تمسكه به الى خسارة هذه الانتخابات في عدد من المدن والقرى والبلدات.

ثانياً: عدم اشراك كل متهم بالفساد وسرقة اموال الدولة في اللوائح الانتخابية حتى وان كان من المعارضة.

ثالثاً: وضع برنامج للاصلاح الاداري والسياسي والاقتصادي والمالي والقضائي وفي مجالات اخرى يلتزم به كل من يخوض الانتخابات على لوائح المعارضة.

رابعاً: اعتماد استطلاع الرأي العلمي الدقيق في اختيار المرشحين عند تشكيل اللوائح وذلك منعا لاي خلاف على اختيارهم اذا ما اعتمدت معايير غير علمية ولا تعبر عن حقيقة الوضع الشعبي لكل مرشح.

وعلى ذمة السياسي المعارض نفسه، فان ما حصل بعد ذلك هو ان العماد عون تجاهل هذه الاسس. فلا رموز السلطة ولا حلفاء سوريا استبعدهم عند البحث في تشكيل اللوائح، مبررا ذلك بعدم توصله الى اتفاق مع المعارضة. وهذا ما جعل الكثيرين يتساءلون: هل يعقل ان يكون العماد عون وحده على حق في عدم التوصل الى هذا الاتفاق وكل المعارضة بكل احزابها وتياراتها وشخصياتها على غير حق وهي: تيار المستقبل، اللقاء الديموقراطي، الحركة الاصلاحية الكتائبية، القوات اللبنانية، الكتلة الوطنية، حركة التجدد الديموقراطي، حزب الوطنيين الاحرار، قرنة شهوان.

ولم يستبعد العماد عون ايضا في تشكيل لوائحه بعض المتهمين بالفساد ومانحي رخص العاب “البينغو” والمستفيدين من “بونات” النفط العراقي، كما انه لم يعتمد نتائج استطلاع الرأي في اختيار المرشحين، فاصبح من يقبل ببرنامجه الاصلاحي فقط يكون مقبولا.

ويتساءل السياسي المعارض نفسه، بعدما اخذت تنتابه شكوك وظنون حول ما يجري على الساحة الانتخابية، هل ان التحالفات التي يعقدها العماد عون ويشكل اللوائح على اساسها تعكس نتائج لقائه في باريس مع كريم بقرادوني والنائب اميل لحود وهي ترجمة لها؟

انه يأمل ان لا يكون ذلك صحيحاً وان تتبدد الشكوك والظنون والاقاويل لكي تتحقق اهداف 14 آذار في اقامة سلطة بديلة تعرف كيف تحافظ على هذه الاهداف وعلى انجازات الانتصار باستعادة السيادة والحرية والاستقلال.

مصادر
النهار (لبنان)