ليس الموضوع عراقيا إنما لون من الحياة يكلل نمط المجتمع، فما حدث على جسر الأئمة صورة فقط، أو نموذج مرئي، بينما يطغى "التدافع" على كافة التفاصيل التي نحياها. وبالطبع فإن الكارثة في العراق ستستمر لأيام وربما لسنوات، بينما يبقى قانون "التدافع" محاطا بهالة من القدسية لأنه يعبر عن "الفطرة" التي اقنعنا أنفسنا بها، وربما تاريخنا المعاصر على الأقل.

قانون "التدافع" و "المزاحمة" ربما يظهر بالسياسية، فعندما تلوح تباشير زمن جديد "نتتدافع" لمباركته، وهذا ما حدث في الخمسينات مع "المد الجماهيري" ويحدث اليوم مع "الطفرة الليبرالية". وتدافع السياسي يظهر في العصبية التي تحول الأحزاب أيا كانت إلى مقاطعات وإمارات بحكم التدافع لعصبية العائلة أو العشيرة أو حتى المسيرة التاريخية. فيصبح من الصعب التمييز بين رئيس القبيلة ورئيس الحزب.

ورغم أن البعض يرد "التدافع" إلى الغريزة لكنه على ما يبدو يتبنى أحدث النظريات العلمية، فهو يحدث من "الشواش" دون أي حساب مسبق. والنتيجة أن ضحايا التدافع مستمرون عبر الحياة تماما كالموت الذي يحاصرنا حتى ولو كنا في بروج مشيدة.

والتدافع أيضا سمة اجتماعية فهناك إصرار عليه عندما يقع أحد الأشخاص ضحيته، فلا نعرف من أين تأتي السهام، وبأي آلية يتم اختيار الضحية، فيكثر المشاركون بـ"الذبح" عند لحظات الضعف، وحتى الإعلام لا يوفر هذه الفرصة الذهبية، بينما تضحك آلهة التدافع في عرشها.

علينا أن نسأل اليوم هل ضحايا جسر الأئمة استثناء داخل تاريخنا؟ وهل التدافع يبرق العيون فتصبح عصبية الموت أقوى من الحياة؟ فكارثة العراق ربما لا تقف عن هؤلاء الضحايا لكنها تشكل زوبعة جديدة خارجة عن التجريد إلى التجسيم، فشاهدنا "التدافع" واقعا، بين رمزيته باقية في أساليب التفكير، عندما يصبح العقل مشدودا إلى نقطة مركزية لا ندري أي وهم أو حقيقة، وتدخل غريزة القطيع من جديد لتؤجج الاندفاع نحو المجهول.

ربما لا يكفي العزاء كي نعبر عن الحزن والألم، فـ"التدافع" مستمر ضمن أطول مرحلة للصرامة العقلية يشهدها تاريخنا ... وجملة من القضايا كافية لمعرفة أن تدافع يحكمنا وليس حدثا طارئا على جسر الأئمة.