المنظومة السياسية تغلي. فبدل الانتظار بصبر نتائج الخطوة التي بدأت بإخلاء غزة، وتمكين رئيس الحكومة ارييل شارون، من محاولة التقدم نحو التسوية الدائمة الطويلة الأمد برعاية الولايات المتحدة وبتأييد أوروبا، يحاولون في الليكود، واليمين المتطرف وضع العصي في عجلات هذه المسيرة من خلال إدخال الدولة في دوامة الانتخابات. وانضمت إليهم في هذا المسعى جهات من الوسط واليسار.
مع كل ترسبات الماضي، عليهم أن يدركوا أن الضمانة الوحيدة لاستمرار المسيرة تكمن في استقرار السلطة واستمرار ولاية شارون. الأمر لايتعلق بصراع شخصي بل بصراع بشأن مستقبل الدولة. غالبية الشعب تدرك ذلك، ولذلك يتعيّن على رئيس الحكومة مواصلة القتال داخل حزبه. لكن حتى لو فشل، عليه أيضاً مواصلة دربه ضمن إطار آخر. فالشعب ينتظر زعيماً شجاعاً، يعرف تحديد الهدف والسير لتحقيقه، والهدف ما زال دولة صهيونية ديموقراطية ذات أغلبية يهودية جلية.

في 22 أيار 2005 بعثت رسالة علنية الى رئيس الحكومة، كتبت فيها، من جملة الأمور: "أنت اليوم من يقرر كرئيس للحكومة، وبما أنه لا يوجد الآن إمكانية حصول مفاوضات حول الاتفاق الدائم، فثمة ضرورة للمبادرة الى خطوة للانفصال من جانب واحد، والتي يجب أن تتضمن إزالة مستوطنات". وفي لقاء ثنائي جمعني معه في موعد قريب من تاريخ إرسال الرسالة، اقتنعت بأنه طرأ تغيير تام على تصور شارون إزاء حل النزاع.

انقضى نحو ثلاث سنوات، وفي الأسابيع الأخيرة تجاوزنا خطوة فك الارتباط المعقدة التي قادها شارون بجرأة وعزم على الرغم من المؤامرات ضده. والآن أيضاً ثمة عدد غير قليل يشكك في صدق دوافعه، وبنواياه للمستقبل. يتعيّن الاعتراف أن خطواته التي حصلت في الماضي تترك مكاناً للشك والانتقاد، لكن ليس لدي أدنى شك أن التغيير ينبع عنده، في نهاية الأمر، من إدراكه للمسؤولية الملقاة على عاتقه والاستناد الى الحقائق الأساسية التالية:

الأولى، المشكلة الديموغرافية التي تهدد أصل وجود اسرائيل كدولة ديموقراطية ذات أغلبية يهودية صرفة. الثانية، إدراك أن العمق الاستراتيجي الحقيقي لإسرائيل لا يكمن فقط في المزيد من التلال المشرفة، بل بالشراكة مع الولايات المتحدة والتغطية التي تقدمها. الثالثة، وعلى الرغم من التفوّق العسكري الكبير لاسرائيل، ثمة حدود للقوة، كما أن قوتها تنبع أيضاً من مناعتها الاقتصادية، الأخلاقية والاجتماعية.

هذه الحقائق توجب السعي لإيجاد حل سياسي، مثل هذا الحل سيحسن المناعة القومية ومكانة اسرائيل في العالم وسيجلب في أعقابه نمواً اقتصادياً يسمح بتوجيه الموارد القومية نحو التربية والتعليم ولتقليص الفجوات الاجتماعية، وبسبب المخاطر الكامنة في هذه المسيرة، ثمة ضرورة لمسيرة بطيئة ومتدرجة. وعليه، فإن الاصرار على وجوب محاربة السلطة الفلسطينية لمنظمات الارهاب، ضروري ومبرر. وخارطة الطريق التي تقدمت بها الولايات المتحدة، المقبولة من الطرفين، هي أساس صحيح، لكنها لا تستطيع أن تشكل بديلاً عن خطة سياسية طويلة الأمد.

في الوقت ذاته، من الضروري الانتهاء من بناء الجدار من دون أي تأجيل، لأنه سيضمن أمناً أكبر للمواطنين، وسيبقي الكتل الاستيطانية الكبيرة المحاذية لاسرائيل وسيكون أساساً للمفاوضات حول الحدود الدائمة، ومع بدء محاربة السلطة الفلسطينية ضد الارهاب، يتعيّن البدء في تفكيك المستوطنات المعزولة والتجمع داخل الكتل الكبيرة. ستكون هذه مسيرة طويلة ومليئة بالمطبات، كما أنه لا بد في النهاية من إيجاد حل لمشكلة القدس.

إن تقديم القدس الموسعة ككتلة واحدة رغم وجود 300 ألف فلسطيني يعيشون ضمن حدودها الحالية، هو خطأ أساسي. فالحل سيوجب إيجاد تفكير خلاق، يأخذ في الحسبان الاعتبارات الديموغرافية وقدسية القدس للشعب اليهودي، لكن يأخذ بالاعتبار أيضاً قدسيتها بالنسبة للاسلام والمسيحية. وسيكون من المبرر إجراء استفتاء شعبي بخصوص أي اتفاق يحوي تنازلات في القدس التي ضمت بناء على قانون الكنيست الى اسرائيل، شأنها في ذلك شأن أي أرض أخرى ضمت بشكل قانوني. لكن يجب عدم تكرار الخطأ وترك القرارات السياسية المصيرية رهن باستفتاء يشمل أعضاء حزبيين فقط.

لم أشارك شارون آراءه السياسية في الماضي. أنا أعرفه كمقاتل شجاع وغير تقليدي منذ خدم كقائد فصيل في سريتي خلال حرب الاستقلال، ولاحقاً، أثناء الخدمة المشتركة الطويلة في الجيش الاسرائيلي. أنا آمل أن يتمسك هذه المرة أيضاً بالهدف، أن يحارب وينتصر.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)