يكتسب خط التماس بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تدريجياً شكل حدود بين دول، مع تنفيذ فك الارتباط عن قطاع غزة والتقدم في بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية. وتستعد إسرائيل الآن لإقامة مشروع كبير من المعابر ونقاط الحدود التي سيجري عبرها دخول الأشخاص والبضائع بين مناطق السلطة وإسرائيل. وفي ختامه، سيتضمن المشروع 33 معبراً في الضفة الغربية واثنين أو ثلاثة في غزة. المستشار القانوني للحكومة ميني مزوز، أصدر توجيهاته لوزير الداخلية أوفير بينس لإعلان معبري ايرز وكارني في القطاع كـ"محطات حدود".

لتشغيل معابر الحدود بعد فك الارتباط، ستكون أهمية حاسمة في بلورة منظمة العلاقات الجديدة بين إسرائيل والسلطة. فالمعابر ستقرر ما إذا كان قطاع غزة سيكون قادراً على تطوير منظومة اقتصادية مستقلة، وما إذا كانت إسرائيل ستحظى باعتراف دولي بإنهاء الاحتلال في غزة. ومن المفترض بالمعابر الجديدة في الضفة التي ستسلم كي تدار بشكل مدني، أن تحل مكان منظومة الحواجز العسكرية التي تحوّلت الى رمز للاحتلال ولقمع الفلسطينيين.

في الأشهر الأخيرة جرت مفاوضات بين إسرائيل، السلطة الفلسطينية ومحافل دولية على مستقبل المعابر. مبعوث الرباعية لفك الارتباط جيمس ولفنسون نجح هذا الأسبوع في تحقيق حل وسط لتشغيل المعبر بين مصر وغزة.

وزير الدفاع شاوول موفاز أقام في مكتبه "مديرية المعابر"، ووضع على رأسها بتسليئل ترايبر رئيس مكتب رئيس الأركان ووزير الدفاع سابقاً ونائب مدير عام سلطة المطارات. وستنسق المديرية إقامة المعابر ونقلها من الجيش الى التشغيل المدني، وتطوير التكنولوجيا فيها، كما أن رجالها يجرون مفاوضات مع الفلسطينيين والمحافل الدولية. أما رئيس الحكومة آرييل شارون، فقرر هذا الأسبوع أنه بعد الخروج من غزة ستنتقل الاتصالات الى مسؤولية نائب رئيس الحكومة شمعون بيريس.
كُلّف ترايبر بإعداد البنية التحتية لإقامة "سلطة معابر وطنية" في المستقبل لإدارة نقاط الارتباط التي توجد اليوم تحت مسؤولية الجيش الإسرائيلي وسلطة المطارات. وتطلب إسرائيل تمويلاً دولياً للمشروع يهدف الى التخفيف عن الحياة اليومية للفلسطينيين، بكلفة تصل الى 150 إلى 200 مليون دولار.
التجارة المستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين ستدار أساساً عبر أربعة معابر: كارني وإيرز في قطاع غزة وشاعر افرايم وترقوميا في الضفة الغربية ـ وجميعها على الخط الأخضر. إضافة الى ذلك، ثمة تخطيط لإقامة معبرين كبيرين قرب القدس، عند مدخل رام الله وبيت لحم، ولكن إقامتهما تتأخر بسبب معارضة دولية لمكانيهما.

وحسب الخطة، فإن مصر تعلن إغلاق المعبر في رفح لغرض الترميم لمدة نصف سنة. حركة الأشخاص تنقل الى المعبر الجديد في كيرم شالوم الذي سيتم تشغيله ابتداء من الأسبوع المقبل، أما حركة البضائع فتنقل الى نقطة العبور القائمة في نيتسانا. وفي ختام أعمال الترميم، سيعاد فتح معبر رفح للأشخاص فقط، بإشراف مراقبي حدود أوروبية، وتوضع فيه أجهزة تكنولوجية للمتابعة تسمح لإسرائيل بمعرفة من يدخل الى القطاع.
وافق الفلسطينيون على الحل الوسط لأنهم رغبوا في إبقاء غزة داخل "الغلاف الجمركي" المشترك مع الضفة وإسرائيل. وهم خشوا الفصل بين جزءي السلطة وفقدان المداخيل من الجمارك. وطالبت إسرائيل بالإبقاء في يدها الرقابة على الدخول الى القطاع على الأقل الى أن تثبت السلطة أنها تسيطر هناك. والتخوّف الأساس للمؤسسة الأمنية هو من دخول خبراء إرهاب من الخارج يساعدون المنظمات المحلية.

مشكلة السيطرة في المعبر الخارجي رمزية أكثر منها عملية. ولكن في المعابر بين القطاع وإسرائيل الوضع معاكس. فاقتصاد القطاع يعتمد على التجارة مع إسرائيل أو عبرها الى الضفة الغربية وميناء اشدود. معبر كارني الذي تخرج عبره الشاحنات من غزة هو "عنق الزجاجة". والمشكلة الأساس هي قدرة استيعاب كارني لعبور الشاحنات، والتي تقلّصت جداً في فترة الانتفاضة. فإسرائيل تصرّ على فحص أمني أساسي لكل الشحنات الداخلة الى نطاقها بسبب العمليات التي نفّذت في المعابر، الأمر الذي يتطلّب وقتاً.

البضائع تنتقل من شاحنة فلسطينية عبر نقطة العبور، الى شاحنة إسرائيلية. في خريف 2006 سينصب في كارني جهازان لكشف الشاحنات، تم شراؤهما بتمويل إسرائيلي وفلسطيني. والجهازان قادران على التغلّب على أزمة الحركة ولكن الى أن ينصبا سيعمل المعبر بوتيرة منخفضة.

التسوية التي ستحقق في كارني والحلول التكنولوجية التي ستتوفر هناك ستكون النموذج لتشغيل المعابر التجارية الأخرى بين إسرائيل والسلطة. ولعل هذا هو السبب الذي يجعل المشاركين في المفاوضات على تشغيل المعبر يكرّسون الكثير من طاقتهم لهذا الغرض. الفريق الإسرائيلي المفاوض توصل الى تفاهم مبدئي على أنظمة العمل مع الفلسطينيين. ولكن اللقاء تفجّر لأن إسرائيل لم توافق على التعهّد بعدد الشاحنات الذي طلبه الفلسطينيون.

الجدال المبدئي بين الطرفين يتعلّق بطريقة النقل. إسرائيل تحظر دخول شاحنات فلسطينية الى نطاقها، وتصرّ على أن تنقل الشحنات بطريقة "الظهر الى الظهر"، التي تعقد وتبطئ العملية. أما السلطة فتريد إدخال شاحنات وسائقين مع البضائع الى إسرائيل بطريقة "باب الى باب".

كإسناد لمعبر كارني تطور إسرائيل معبر إيرز. الفلسطينيون رفضوا التعاون أو البحث في تشغيل المعبر بدعوى أنه يوجد على أرض محتلة وليس على الخط الأخضر. وقدر محفل دولي هذا الأسبوع أنه سيتم قريباً حل لذلك. في الجانب الإسرائيلي يوجد انتقاد للفلسطينيين الذين يعرقلون مشروع المعابر بسبب العناد على ادعاءات مبدئية.

مع التقدّم في بناء الجدار، ستتعاظم الحاجة الى معابر حدود حديثة في الضفة أيضاً. والأطراف تعي ذلك وتعمل على هذا الأساس. وقبل نحو أسبوعين تحقق تفاهم بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والإدارة المدنية لتحويل 50 مليون دولار لشراء أجهزة كشف للحاويات. وسيوزع المال بين أربعة معابر. ولن تعمل الأجهزة إلا بعد نحو سنة ونصف السنة. وحتى ذلك الوقت سيتم استخدام حلول جزئية.

إسرائيل تتقدم في بناء المعابر في الضفة، من دون انتظار الموافقة الفلسطينية. وحسب الخطة، فإن الضفة ستحاط بمعابر. كما أن بناء الجدار في الضفة سينتهي العام المقبل. وإذا ما استكملت الخطط في الوقت ووصل التمويل، فإن المعابر ستخدم الفلسطينيين في الضفة، وفق الصيغة الجديدة لحياتهم المنفصلة عن إسرائيل. والدروس التي ستستخلص في الحدود الجديدة في غزة، ستكون الأساس لنظام المعابر الذي سيتبع.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)