رأت مصادر بريطانية دبلوماسية أن نظام حكم بشار الأسد يواجه الهزة السياسية الأعنف في تاريخه منذ تولي الرئيس الشاب رئاسة الجمهورية قبل نيف وخمس سنوات، وقالت إنه من غير الممكن لحكم بشار الأسد تسليم أهم أركانه للعدالة الدولية حسب ما يطالب بذلك القرار الدولي الرقم 1636 الصادر عن مجلس الدولي أمس الثلاثاء، والمصادر البريطانية الدبلوماسية في تحليلها للحال الراهن في سورية ترى أن الرئيس بشار ليس هو الأول في منظومة الحكم وإنما يأتي بالدرجة الثالثة ترتيبا حسب القوة الاستخبارية والأمنية بعد شقيقه ماهر قائد الحرس الجمهوري وهو القوة الضاربة في البلاد وصهره آصف شوكت رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية.

يذكر أن بريطانيا كانت إحدى دول ثلاث شاركت بتقديم القرار الدولي لمجلس الأمن الذي طالب سورية بالتعاون بشكل كامل مع كبير محققي الأمم المتحدة ديتليف ميليس الذي عاد إلى بيروت البارحة بعد ساعات من تمرير القرار الدولي. واتهم التقرير الذي رفعه ميليس إلى مجلس الأمن في وقت سابق هذا الشهر سورية بأنها لم تتعاون بشكل كامل في تحقيقه.

من ناحيته عبر مصدر سوري رسمي اليوم عن "اسف" دمشق لحصول قرار مجلس الامن الدولي رقم 1636 على "الاجماع"، معتبرا انه قرار "غير منصف تجاه سوريا". وقال المصدر الرسمي ان "القرار غير منصف تجاه سوريا". واضاف ان "سوريا آسفة ان مثل هذا القرار فاز بالاجماع، الامر الذي يبعث على القلق والاسف لدى السوريين".

وفي استجابة لذلك التقرير، اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع يوم الإثنين القرار 1636 الذي يطالب سورية بالتعاون أو مواجهة "إجراءات أخرى" محتملة. واقترحت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا القرار بعد أن وجد ميليس أن التفجير الذي أودى بحياة الحريري و22 آخرين في 14 فبراير(شباط) ما كان ليحدث دون علم مسؤولي الأمن السوريين وحلفائهم اللبنانيين.

ومن بين الرجال المطلوب التحقيق معهم رجلان كانا يقودان أجهزة استخبارية ومخابراتية في سورية ولكنهما أحيلا إلى التقاعد منذ شهور وهما حسن خليل وبهجت سليمان على أنهما من أخلص أصدقاء الرئيس السوري بشار الأسد ولم يبتعدا عن القرار السوري ولو من وراء ستار.

ويطالب القرار الدولي، سورية بالتعاون "دون شروط" مع التحقيق الذي يجريه المدعي الألماني، ويأمر دمشق باحتجاز الأشخاص الذي يشتبه بضلوعهم في الاغتيال، وتسهيل استجواب محققي الأمم المتحدة لهم. وكانت الأمم المتحدة وافقت في وقت سابق من هذا الشهر على طلب لبناني بتمديد التحقيق حتى يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وعبرت دمشق المحاصرة التي تطالب بعقد عربية استثنائية لدرس التداعيات بعد صدور القرار الدولي عن رفضها لتقرير ميليس قائلة إنه ذو دوافع سياسية، وتنفي أي دور لها في جريمة القتل التي تسببت في زيادة الضغوط على دمشق، وإجبارها على سحب قواتها من لبنان بعد وجود دام 29 عاما.

وفي جلسة مجلس الأمن الاثنين، اتهم وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في غضب مجلس الأمن، بافتراض خاطئ مؤداه أن بلاده لها علاقة باغتيال الحريري، مما أثار تلاسنا علنيا حادا مع نظيره البريطاني جاك سترو، واصطدم وزير خارجية سورية مع نظيره البريطاني عندما قال إن اتهام مسؤولين سوريين بارزين بالضلوع في اغتيال الحريري يشبه إتهام السلطات الأميركية والإسبانية والبريطانية بالضلوع في هجمات 11 سبتمبر(أيلول) عام 2001 على نيويورك وواشنطن، وتفجيرات مدريد في 11 مارس (آذار) عام 2004 ، وتفجيرات لندن في السابع من يوليو (تموز) عام 2005، على الترتيب.

ثم أثار سترو غضب الشرع بدوره عندما شبه اغتيال الحريري "بالاغتيالات السياسية التي كانت شائعة في القرون الوسطى". وقال الشرع إن "التحقيق في الجريمة جرى في ظروف تقارب ما كان سائدا في العصور الوسطى عندما كان يفترض أن المتهم مدان قبل اتخاذ الإجراءات المرعية."

ونفى الشرع بقوة أي علاقة لبلاده باغتيال الحريري، ونفى أيضا عدم تعاون دمشق مع التحقيق. وقال إن التحقيق افترض تورط جهات رسمية سورية لطول التخطيط الذي سبق الاغتيال ولتشعب المؤامرة، وتساءل الشرع "هل نستطيع اتهامها (السلطات البريطانية) بأنها علمت مسبقا" بتفجيرات السابع من يوليو/ تموز لأنها تدربت على كيفية مواجهة الهجمات الارهابية قبل تلك التفجيرات. ورد سترو بأن "من قبيل البشاعة وقلة الإحساس" مقارنة سوريا ببريطانيا في تلك الظروف.

وقال الوزير الشرع إن سورية أصرت على أن يجري استجواب الشهود من رعاياها في مقر الخارجية السورية، وبحضور مسؤولين وموظفين سوريين لتدوين الأقوال. وأضاف أن الشهود أدلوا "بإجابات موحدة" كما لو كانوا تدربوا عليها، وأن الشرع نفسه اتهم بالإدلاء "بمعلومات غير صحيحة" للمحققين في رسالة.

لكن سترو رد بالقول إن ميليس توصل إلى أدلة دفعته للاعتقاد ان قرار اغتيال الحريري ما كان يمكن أن يتخذ بغير موافقة مسؤولين أمنيين سوريين بارزين. وأضاف موجها حديثه إلى نظيره السوري "إذا كان ما تشير إليه.. هو أن ما حدث في 11 سبتمبر و11 مارس والسابع من يوليو كان بموافقة حكومات الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا، فأعتقد أن عليك أن تقول ذلك. وإلا فان تشبيهك لا جدوى منه على الإطلاق."

وكانت كل من واشنطن وباريس وافقت على إزالة بند العقوبات، بشرط لجوء مجلس الأمن إلى إجراءات أخرى محتملة، لم يحددها، إن لم تتعاون دمشق. وهذا جاء استجابة للضغوط الروسية التي عارضت بشدة الإشارة إلى عقوبات في نص مشروع القرار.

لكن الموقف الحازم جاء من جانب وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، التي قالت أن القرار حدد بوضوح أن فشل دمشق بالالتزام "بهذه الشروط سيؤدي إلى عواقب وخيمة من جانب المجتمع الدولي."

يشار هنا إلى أن الخلاف كان قائما بين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والتكتل المعارض وهما روسيا والصين عشية التصويت على قرار صارم يطالب سوريا بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري أو مواجهة عقوبات محتملة.

ومع تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية حتى 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل فإن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تقف بقوة خلف تقرير المدعي العام الألماني الذي أشار لتورط مسؤولين أمنيين سوريين ولبنانيين كبار في جريمة اغتيال الحريري، كما اتهم حكومة دمشق بعدم التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية.

ويطالب القرار سورية باعتقال أي من تسميه لجنة التحقيق كمشتبه، والسماح باستجواب الأفراد خارج سوريا أو دون حضور مسؤولين سوريين. كما يهدد القرار الثلاثي بتجميد أرصدة وفرض حظر على سفر كل من يتم تحديده كمشتبه به من قِبل اللجنة. ويهدد مجلس الأمن سوريا، بـ"المزيد من التدابير" من بينها حظر اقتصادي حال رفضها التعاون مع لجنة التحقيق الدولية.

ويشار أخيرا إلى أنه في تحرك استباقي، قامت دمشق بإصدار مرسوم يقضي بتشكيل لجنة قضائية خاصة تتولى مباشرة إجراءات التحقيق مع الأشخاص السوريين من مدنيين وعسكريين في كل ما يتصل بمهمة لجنة التحقيق الدولية، المكلفة بالتحقيق في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وبدأت سورية الأحد الماضي تحركاً دبلوماسياً بإيفاد نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى المملكة العربية السعودية، ضمن جولة تشمل عددا من دول الخليج، لحشد تأييد لدمشق في مواجهة الضغوط الدولية.

مصادر
ايلاف