أسامة عجاج المهتار

للقوَّة حدٌ تقف عنده، كما أنَّ في المخاطر فرصًا تقدِّم نفسها لمن يحسن اقتناصها. نعتقد أنَّ الهجمة السياسيَّة على كلٍّ من سورية وإيران قد وصلت إلى ذروتها في الوقت الحالي، وهي مرشَّحة للمراوحة في مكانها أو للتراجع. تراجع السيِّد ميليس عن إصراره على التحقيق مع الضَّباط السوريِّين في لبنان، وعدم قيام مجلس الوكالة الدوليَّة للطاقة الذريَّة بإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على إيران شاهد على ما نقول. شاهد آخر هو أنَّ كلاًّ من إيران وسورية تبدوان وكأنهما قد انتقلتا من الدفاع إلى الهجوم. إيران بعد خطاب أحمدي نجاد الأخير، وتشدُّد البرلمان الإيراني حيال السماح لمفتِّشي الطاقة الدوليَّة بدخول منشآتها. سورية بعد خطاب الرئيس الأسد الأخير، ورفض التحقيق مع السوريِّين في لبنان، وإيران وسورية معًا، بعد التصعيد الأخير في الجنوب بمبادرة من المقاومة ردًّا على انتهاكات إسرائيل المتواصلة.

إنَّ طرفا الحملة الأساس على سورية وإيران، ونعني إسرائيل وأمريكا، يعانيان من أزمات داخليَّة وخارجيَّة تمنعهما من الاستمرار في الضغط بالوتيرة عينها. في أمريكا يتنامى الضغط على الإدارة للانسحاب من العراق كما تتصاعد وتيرة طلب "الحقيقة" عن الذرائع التي استخدمتها لغزوه. في الوقت نفسه، يبدو تخبُّط القوَّات العسكريَّة جليًّا مع تزايد عدد الضحايا من الجيش الأميركي ومن المدنيِّين العراقيِّين. ولكن الأهم من هذا كلِّه اقتناع عدد متزايد من السياسيِّين الأميركيِّين أنَّ الذي قطف وسيقطف المزيد من ثمار الغزو الأميركي للعراق هو إيران!

إسرائيليًّا هناك زلزال سياسي في فلسطين المحتلَّة فرضه تحوُّل شارون عن الحزب الذي أسَّسه وقراره تأسيس حزب جديد. للنجاح في الانتخابات القادمة عليه تصوير نفسه كحزب وسطي واستقطاب أكبر عددٍ ممكن من كتلة الوسط. وللحصول على هذه الأصوات سيكون عليه تقديم تنازلات جديدة للفلسطينيِّين، وربَّما للسوريِّين اللهمَّ إذا عرف الفلسطيُّنيون والسوريُّون كيف يستخدمون هذه الورقة تكتيكيًّا للحصول على أكبر قدر من المكاسب.

لبنانيًّا هناك نوع من العقلانيَّة السياسيَّة في الشارع تعبِّر عن نفسها في طلب تخفيف التوتُّر وعدم الانجرار وراء تحريض البعض، نتيجة معرفة بمغبة الذهاب إلى النهاية في معاداة سورية.

سوريًّا، لا يجوز للإدارة التوهُّم أنَّ تخفيف الضغط عليها لأسباب خارجة عنها، يعني أن لا مشكلة لديها. الإدارة السوريَّة تعاني من مشاكل مزمنة تراكمت، وكانت بادية للعيان قبل اغتيال الرئيس الحريري. عدم التعامل الجدِّي والسريع والحاسم معها أدَّى إلى خسائر إستراتيجيَّة لم يجرِ تقييم حجمها بعد. إذا كنَّا نرى أنَّ الضغوط الخارجيَّة هي إلى مراوحة وربَّما انحسار، فلا يمكن معالجة الأزمات الداخليَّة بالمراوحة.

أخيرًا، إنَّ للولايات المتَّحدة مطالب عراقيَّة وفلسطينيَّة ولبنانيَّة من سورية، بهذا الترتيب. ولسورية مطلب أساس هو الجولان. نحن ندرك أنَّ الولايات المتحدة متعطِّشة إلى صفقة مع سورية عن العراق. ولكن الجولان بكامله، يجب أن يكون نقطة البداية في أيَّة مفاوضات مع الولايات المتَّحدة. بعد ذلك لكلِّ حادث حديث. كما ذكرنا: إنَّ في المخاطر فرصًا لمن يحسن اقتناصها.