الحديث عن "ثقافة الحرب" ليس ترفا وسط الضغط الذي يلف المواطن السوري، والحديث عن "السلام" لا يعني بالضرورة فتح الملفات السياسية لعمليات التسوية داخل الشرق الأوسط. فالمسألة اليوم هي البعد الاجتماعي لما يقدمه "خطاب الحرب" للإدارة الأمريكية منذ أحداث 11 أيلول، وما أنتجته ممارسات الحرب للدولة العبرية منذ ظهورها.

وعند الحديث عن "سوريون ضد الحرب" فإننا نريد تجاوز الثقافة التي تبحث عن الأخطاء التي حملها الماضي نحو واقعنا، لأن مفهوم "خطاب الحرب" يبدو أوسع من الضغوط الأمريكية على سورية، فهو يمتلك عناصر تحاول التجذر داخل المجتمع، محاولا التعامل مع الحدث السياسي وكأن شأنا عابرا، بينما يقف عند حدود الداخل السوري على نفس القواعد التي بدأ الحديث عنها منذ الاستقلال.

وعند التطرق إلى "سوريون ضد الحرب" فإننا نحاول تملك الجرأة لفهم تقرير ميلس على أنه حدث سياسي وسط "ثقافة الحرب"، بينما نحاول فهم هذه الثقافة على انها تدخل في بنية ثقافتنا بدء من الفهم المتكامل للوحدة الاجتماعية ومحاولة تفتيتها، وانتهاء بقدرتنا على تحقيق ديمقراطية معبرة عن البرامج السياسية وليس عن الكتل السكانية كما يحدث اليوم في العراق.

ليس ترفا ... أو محاولة لتجاوز الواقع الذي يضغط حياتنا اليومية .. ليس هروبا أيضا من الاستحقاقات السياسية الداخلية والخارجية، لأن ما نريده "ضد الحرب" هو فعل اجتماعي وليست دعوة مطلقة للسلام على سياق ما حدث في بداية التسعينات وتحديدا بعد "اتفاقية أسلو".

"سوريون ضد الحرب" هي دعوة للداخل والخارج لفهم السلام كتأسيس لثقافة اجتماعية تواجه ثقافة الحرب للإدارة الأمريكية ولعمليات التفتيت التي أنتجتها كافة الحالات السياسية التي أعقبت ظهور إسرائيل.

الدعوة اليوم لا تنظر وسط الفوضى التي أفرزتها الحرب على العراق إلى الحرب والسلام كمفهوم إعلامي نصدره للخارج ... إنما كحالة واقعية ظهرت لنا بوضوح بعد الحرب على العراق وأظهرت جالة من التدمير الذاتي والخارجي لمجتمع يحمل التنوع ... يحمل ثقافة أبقته عبر الزمن رغم التوتر قائما .. لكنه اليوم يواجه حصار الحرب من داخله وليس فقط من آخر "إمبرطوية" ظهرت في القرن الواحد والعشرين.