الخليج

تفجيرات في لندن وفضائح في واشنطن
كانت انعكاسات الحرب على الإرهاب، التي دخلت في سياقها الحرب على العراق، بادية بوضوح على الدولتين الأساسيتين الراعيتين لهذه الحرب، الولايات المتحدة وبريطانيا، إذ لم تخل الأحداث التي شهدها البلدان من ربط واضح ومباشر، إما بغزو العراق أو الحرب على الإرهاب، والإجراءات التي اتخذت في أعقابهما.
وإذا كانت التفجيرات في السابع والحادي والعشرين من يوليو/ تموز كانت سمة التغييرات التطورات السياسية والأمنية في لندن، شهدت واشنطن، ولاتزال، سلسلة فضائح متتابعة، أظهرت الخروقات التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية لحقوق الإنسان، وهي التي نصبت نفسها مدافعة عنها في العالم، إضافة إلى الانتهاكات، التي تعرض لها المواطنون الأمريكيون أنفسهم جراء الإجراءات الأمنية، التي أثبتت عقمها وفشلها بدليل رفض الكونجرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، التمديد لقانون مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، المسمى “باتريوت آكت”.
وهزت العاصمة البريطانية في السابع من يوليو تفجيرات، أجواء أعادت إلى الأذهان هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 في نيويورك وواشنطن وهجمات مارس (آذار) 2004 في مدريد، إذ أوقعت أربعة تفجيرات استهدفت صباحا شبكة النقل العام ما لا يقل عن 38 قتيلا و700 جريح. وأعلنت مجموعة تابعة لتنظيم “القاعدة” تطلق على نفسها “قاعدة الجهاد في أوروبا” في بيان على موقع على شبكة الإنترنت مسؤوليتها عن الانفجارات.
ووقع الاعتداء الأول في نفق قرب محطة مترو “ليفربول ستريت” في حي المال، فيما وقع الاعتداء الثاني في نفق بين محطتي “كينغز كروس” و”راسل سكوير”، ووقع الانفجار الثالث في محطة مترو “إدجوير رود”. أما الانفجار الرابع فوقع داخل حافلة قرب “راسل سكوير”، وورد أن انتحاريا نفذه. وخرج الركاب من محطات مترو الأنفاق والسواد يعلو وجوههم جراء الدخان والدماء. وأخلت الشرطة محطات السكك الحديدية الرئيسية بما فيها “ليفربول” و”يوستون” و”كينجز كروس”. وأوقفت حركة مترو الأنفاق وحافلات الركاب العامة، فيما بدأ تنفيذ عملية طوارئ معدة في حالات تعرض البلاد لعمليات إرهابية وكانت الشرطة قد تلقت تدريبات مكثفة على تنفيذها. قالت الشرطة البريطانية إن القنابل انفجرت في نفس الوقت تقريبا.
للمرة الثانية، وبنفس السيناريو، هزت العاصمة البريطانية في الحادي والعشرين من يوليو سلسلة تفجيرات تتشابه في كل جزء من تفاصيلها مع التفجيرات التي وقعت قبل أسبوعين من هذا التاريخ. فكلا الموجتين التفجيريتين وقعتا صبيحة خميس، وفي وقت متزامن، ومستهدفتين 3 محطات لميترو الأنفاق وحافلة من طابقين لنقل الركاب، إلى أنها لم تؤد هذه المرة إلى سقوط ضحايا. وأكدت الشرطة أن بعض العبوات المستخدمة لم تنفجر كما كان معدا لها.
واتخذت الشرطة البريطانية بعد التفجيرات إجراءات أمنية مشددة، كان ضحيتها شاب برازيلي منتهية إقامته، إذ لقي حتفه برصاص الشرطة بعدما لم يتوقف بناء لطلبها، لا سيما أنها كانت اعتمدت أسلوب “التصويب على الرأس”.
كما أعقبت التفجيرات سلسلة إجراءات أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، إذ أمر بترحيل كل من يشتبه بارتباطه بتنظيم “القاعدة” أو بعلاقته بمنظمات إسلامية إلى بلاده، حتى لو كان من حاملي الإقامة البريطانية، ما دفع الكثير من الإسلاميين إلى المغادرة طوعا إلى وجهات مختلفة.
وربط الكثير من المحللين والبريطانيين في استطلاع الرأي بين التفجيرات وبين دخول بريطانيا الحرب على الإرهاب، ومشاركتها خصوصا في احتلال العراق العام 2003.
إلا أن حرب العراق لم تؤثر كثيرا في الموقف الانتخابي لرئيس الوزراء توني بلير، الذي استطاع قيادة حزب العمال مجددا في الانتخابات البرلمانية والبقاء في رئاسة الوزراء، إلا أن الحزب شهد تراجعا في حصته داخل البرلمان، حتى وإن لم تؤثر في حصوله على الغالبية.
وسجل النائب جورج غالوي، الذي طرده بلير من حزب العمال بسبب مواقفه من الحرب على العراق، فوزا في الانتخابات أهداه إلى الشعب العراقي، وخاطب بلير باسمه بعد إعلانه في الدائرة المحسومة تاريخيا لحزب العمال، بأن نجاحه بالعودة إلى مجلس العموم هو لمقاضاة بلير ووضعه وراء قضبان المحكمة وللدفاع عن أرواح مئات آلاف الضحايا الذين تسبب بلير بقتلهم ولشنه الحروب غير القانونية وغير الشرعية وتسابقه في خدمة مصالح تضر ببلده وبشعبه وحزبه.
أما في واشنطن، فكان الحرب على الإرهاب واحتلال العراق وتبعاتهما السمة الأبرز في الحياة السياسية الأمريكية، وتتالت الفضائح، التي بدأت العام الماضي بالتعذيب في سجن أبو غريب، لتتبعها العام الحالي فضيحة السجون السرية الأمريكية في الكثير من دول العالم، لاسيما الأوروبية، واختتم العام على وقع فضيحة تنصت الرئيس الأمريكي جورج بوش على الأمريكيين.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن سجون سرية للمخابرات الأمريكية في الخارج. ونقلت عن مصادر أمريكية وأجنبية مطلعة، أن المخابرات المركزية الأمريكية تدير شبكة من السجون السرية في ثماني دول منها تايلاند وأفغانستان وعدة دول “ديمقراطية” في أوروبا الشرقية، طُلب عدم ذكر أسمائها لاعتبارات أمنية.
ويعتقد أن وكالة الاستخبارات الأمريكية أرسلت أكثر من 100 مشتبه به إلى هذه السجون السرية التي تقول مصادر “واشنطن بوست” انه تم إغلاق اثنين منها خلال العامين الماضيين. وأشارت معلومات الصحيفة إلى انه يوجد نحو 30 شخصا يشتبه في أنهم إرهابيون رئيسيون محتجزون في هذه السجون، بينما يوجد أكثر من 70 معتقلا آخرين يعتبرون أقل أهمية تم تسليمهم إلى أجهزة مخابرات أجنبية بموجب عملية يطلق عليها اسم “التسليم”.
كما تسربت معلومات تفيد أن المخابرات الأمريكية تنظم رحلات “تعذيب سياحية” إلى دول من العالم الثالث لسجناء يتم هناك التحقيق معهم كون مخابرات هذه الدول لديها خبرات طويلة في استخلاص الاعترافات تحت وطأة التعذيب.
وأعربت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان “هيومان رايتس ووتش” عن قناعتها “عمليا” بوجود مثل هذه السجون على الأقل في رومانيا وبولندا. أما لجنة الصليب الأحمر فتشعر “بالقلق لمصير عدد غير معلوم” من الذين احتجزوا في إطار ما يطلق عليه الحرب على الإرهاب والمحتجزين في أماكن اعتقال لم يكشف عنها. وطالبت اللجنة الدولية بالسماح لها بالوصول للمشتبه بهم “كأولوية إنسانية مهمة” لها.
تحولت فضيحة استخدام جهاز المخابرات الأمريكي “سي. آي. إيه” للمطارات الأوروبية في عمليات نقل المعتقلين وكذلك حقيقة وجود سجون ومراكز اعتقال سرية تابعة للمخابرات الأمريكية في أوروبا إلى قضية الساعة في أوروبا والقضية المرشحة لتصدر جدول الأزمات بين طرفي الأطلسي.
وأثارت هذه القضية ردود فعل دولية عدة، لا سيما من الاتحاد الأوروبي، الذي اعلن فتح تحقيق في المعلومات عن وجود هذه السجون في بعض دوله الأعضاء. ما استدعى قيام وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بجولة على الدول الأوروبية لتوضيح الموقف الأمريكي، الذي اعتبرت أنه لا يخالف القانون الدولي، إلا أنها لم تستطع إقناع الرأي العام الأوروبي.
وفي موضع ذي صلة بالحرب على الإرهاب، كشفت “صحيفة نيويورك تايمز” تنصت الرئيس الأمريكي جورج بوش سرا على آلاف الأمريكيين، وهو ما أثار أيضا ردود فعل غاضبة داخل الولايات المتحدة، دفعت بوش إلى الاعتراف بأنه قام بهذا العمل “لحماية المواطنين الأمريكيين”، معلنا أنه سيواصل هذا التنصت، وفتح تحقيق في مصادر تسريب المعلومات إلى “نيويورك تايمز”.
وفي فضيحة أخرى لتسريب المعلومات، كشفت الصحافية جوديث ميلر ان لويس ليبي مدير مكتب نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني كان مصدر الكشف عن هوية عميلة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي اي ايه). وقالت ميلر الصحافية في “نيويورك تايمز”، التي امضت نحو ثلاثة اشهر في السجن لرفضها إعلان مصدرها، إن المصدر هو ليبي لكنها قالت انه لم يذكر العميلة في الاستخبارات بالاسم.
وهذه الواقعة هي التطور الاخير في قضية تتسبب باحراج بالغ لادارة الرئيس الامريكي جورج بوش ويتولى التحقيق فيها نائب عام فدرالي مستقل. ويسعى النائب العام باتريك فيتزجيرالد منذ عامين الى معرفة الشخص داخل ادارة بوش الذي كشف للصحافة هوية العميلة في الاستخبارات المركزية فاليري بلايم زوجة السفير الأمريكي السابق جوزيف ويلسون، الذي كان اتهم بلاده بالمبالغة في اظهار التهديد الذي يمثله العراق لتبرير تدخلها العسكري فيه.
وفي ما يتعلق بالحرب في العراق أيضا، برزت حركة شعبية واسعة، قادتها الأمريكية سيندي شيهان، التي فقدت ابنا كان في عداد الجنود الذين قتلوا في العراق، مطالبة بعودة القوات وتبرير وجود الجنود الأمريكيين في العراق، حتى انها اعتكفت وأنصارها خارج مزرعة الرئيس الأمريكي في تكساس، محاولة لقاءه، إلا أنها لم تفلح في ذلك، وتم اعتقالها لفترة وجيزة خلال وجودها في تظاهرة أمام البيت الأبيض.
وفي قضية حازت على الكثير من الاهتمام أيضا في الداخل الأمريكي، استغل بوش إجازة أعضاء الكونجرس لتعيين جون بولتون مندوبا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، بعدما كان الكونجرس عارض هذا التعيين. وقال الناطق باسم البيت الابيض سكوت ماكليلان “الرئيس يعتقد بقوة، وكذلك غالبية اعضاء مجلس الشيوخ، بأنه الشخص المناسب لهذا المنصب”، مضيفا “لقد آن الأوان لتعيينه”.