الشرق الأوسط , توماس فريدمان

في سبتمبر الماضي ألقى روبرت زويلك مساعد وزيرة الخارجية خطابا امام اللجنة القومية للعلاقات الأميركية ـ الصينية حث فيه الصين مرارا وتكرارا على أن تصبح «صاحبة مصلحة» في النظام الدولي. وانتهى الأمر الى انه لا توجد كلمة في اللغة الصينية مقابلة لكلمة «صاحبة مصلحة» وكان رد الفعل الصيني المباشر الحيرة والتوجه الى القاموس. ما الذي كان زويلك يعنيه ؟ وبعد بحث واستقصاء توصل الصينيون الى التفسير الصحيح.
وفي ذلك الوقت اعتقدت ان زويلك كان يطرح مسألة مهمة، ولكنني الان اعتقد انها مسألة ملحة. فلماذا ؟ لأن ايران عازمة على تطوير قنبلة نووية، والدول الوحيدة القادرة على ايقاف الايرانيين هي الصين وروسيا والهند. فلنأمل انهم يفعلون ذلك، ذلك أنه اذا ما اتجهت ايران الى أن تكون دولة نووية فان النظام الدولي الذي نشأ منذ نهاية الحرب الباردة يمكن ان يصبح مفككا.

ايران قررت الأسبوع الحالي أن تتحدى الولايات المتحدة وأوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة عبر نزع أختام الوكالة في ثلاثة مواقع ايرانية حتى تتمكن من استئناف تخصيب اليورانيوم، وهو خطوة أساسية في صنع القنبلة.

وكانت أختام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد وضعت قبل عامين ونصف العام بعد أن اكتشفت الوكالة ان ايران تنتهك معاهدة حظر الانتشار النووي. وكان يمكن احالة ايران الى مجلس الأمن في حينه لمواجهة عقوبات. ولكن بدلا من ذلك ومقابل إبقاء الختم في المنشآت ظل الأوروبيون يحاولون التفاوض من اجل انهاء الأزمة مع طهران. فلماذا تحول هذا الأمر الآن الى اختبار صاحب مصلحة بالنسبة للصين وروسيا والهند ؟ لأنه اذا ما كان لرجال الدين الايرانيين، الذين يرفلون الآن بالبترودولار، ان يعرفوا شيئا فانه لا بد ان يكون معرفة نقاط القوة والضعف. فالايرانيون يعرفون ان الولايات المتحدة تفرض في الوقت الحالي كل العقوبات الممكنة بالنسبة لها على ايران. وهم يرتابون حقا بأن الأوروبيين سيفرضون عقوبات. والمسألة الأساسية أنه حتى اذا ما وجه مجلس الأمن نقدا شديدا لايران وانضمت اوروبا بأعجوبة الى الولايات المتحدة في فرض العقوبات فان الايرانيين يفترضون ان الصين وروسيا والهند، أي نصف العالم، لن يحذوا حذوهم.

ولن تتراجع ايران إلا إذا اوضحت الصين وروسيا والهند على نحو لا لبس فيه بانهم ليسوا مستعدين فقط على السماح بالتعامل مع قضية ايران في مجلس الأمن الدولي وانما سينضمون الى العقوبات الاقتصادية. ولم تعد التهديدات الغربية، التي رفضها رئيس ايران الراديكالي الخميس الماضي واصفا اياها باعتبارها «ضجة» صغيرة.

لقد واجهت روسيا والصين الشيوعيتان الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، وكانت الصين الاشتراكية محايدة. ولكن منذ نهاية الحرب الباردة تبنت الدول الثلاث الرأسمالية واصبحت من اللاعبين ـ والمستفيدين ـ الكبار في الاقتصاد العالمي اليوم، حيث روسيا تتقدم في توفير النفط والغاز، والصين في التصنيع، والهند في البرامج الالكترونية. وللدول الثلاث الان حصة كبيرة في استقرار النظام الدولي.

ولكن هذه الدول ظلت تتحرك بطريقة حرة في نظام دولي مستقر تحافظ عليه الولايات المتحدة الى حد كبير وبمساعدة الاتحاد الأوروبي والناتو واليابان. وتستخدم كل من روسيا والصين نفوذهما في بعض الأحيان من اجل حماية الدول السيئة على الصعيد الدولي مثل ايران والسودان وكوريا الشمالية، انطلاقا من مصالح ذاتية اقتصادية ضيقة ونمط من منهجية مجابهة اميركا وهي منهجية من بقايا العالم الثالث.

ولكن اذا ما تحدت ايران الأمم المتحدة ومضت في برنامجها النووي فانها ستمنح نظاما شريرا درعا يمكن ان تقوم خلفه بخلق مزيد من المشكلات تمتد من العراق الى اسرائيل وأوروبا. ومن المحتمل أيضا ان يؤدي الى انهاء معاهدة حظر الانتشار النووي، والى ضربة عسكرية محتملة ضد ايران من جانب اسرائيل أو أميركا، وهو ما يمكن أن يشل، بالتأكيد، إمدادات النفط من الخليج التي تعتمد عليها الهند والصين، والى سباق تسلح نووي في الشرق الوسط. وقد يتسامح العرب السنة مع وجود قنبلة بيد اليهود، ولكن ليس بيد الفرس الشيعة. فالعرب يريدون قنبلتهم الخاصة بهم. وفي غضون ذلك ستكون هناك ايران نووية غير مستقرة على حدود روسيا. والحق ان الهند والصين وروسيا اتخذت خطوات محدودة لمعالجة الأزمة وابلاغ ايران بانهم لن يوافقوا على افعالها وقد يسمحون بطرحها على مجلس الأمن.

وقد ساعد ذلك الموقفُ ايرانَ على أن تكون بعيدة عن اتخاذ القرار لفترة معينة. ولكن ايران تخرج الان من هذا الوضع ويجب على روسيا والصين والهند ان تخرج هي الأخرى. ومن اجل مصالحهم، لا مصالحنا، فان هذه الدول الكبرى الناشئة يتعين عليها ان تصبح محور النظام. ولم يعد بوسع الشرطة القدامى التعامل مع محور الشر لوحدهم. وعليهم الانتباه الى ما انتهى اليه ذلك. إن بنية عالم ما بعد الحرب الباردة بأسره في خطر.