بالابتعاد قليلا عن البعد الديني لمسألة "الصور المسيئة" فإن ما حدث يوحي بأن "شراسة" المشاعر ربما تكون قادرة على الفعل!! لكننا لا نستطيع إلا التصادم مع الواقع الدولي وما خلفته هذه الأزمة لنحاول إعادة تشكيلها. فرغم أن الإعلام الأوروبي مازال مصرا على التعامل مع حريته، إلا أننا نحاول استيفاء الثمن من الحكومات، وبالتحديد كاعتذار رسمي ربما نتخيل أنه سيضمن مستقبلا احتراما لما نعتقده.

على هذا "التكتيك" المبدع تسير عمليات الحشد التي وجدت ما تحاول أن تدافع عنه، بل ربما أكثر من ذلك، فهي استدعت طاقتها النفسية ومخزونها التراثي في الحمية، مستشعرة أن "حروبا" صليبية على وشك الاندلاع. فالتظاهرات على ما يبدو خرجت عن نطاق الحدث لتحاول التأكيد على أننا موجودون بقوة في كافة المحافل، لكن هذه القوة المتوفرة بفعل "الحشد" أو الاستدعاء التلقائي للحمية الدينية، تجذر الصورة النمطية لثقافة تملك الاستنكار ضد قضية واحدة بينما تخسر باقي القضايا.

وإذا كانت مسألة "الرسوم المسيئة" كشفت الطاقة البشرية للمسلمين ومدى "حميتهم"، لكنها أيضا أزاحت الستار عن جانب جديد من العجز في التعامل مع الأزمة واستغلالها على خلفية نوع جديد من الصراع لا يحمل "التصادم الديني" كما نعتقد، بل عدم القدرة من جانبنا على تغطية "الجهل" و "عدم المعرفة" تجاهنا، وخروجنا من دائرة "الصراع" الإعلامي إلى حلبات الاحتجاج الذي لن يترك في الذاكرة سوى صور الغضب الخارج عن السيطرة.

لسنا مضطرين لإثبات تمسكنا بمعتقداتنا للآخرين فهي مسألة تخصنا ولا يمكن ان تصبح قضية في الغرب، فالمهم اقناع أنفسنا بهذا التمسك خارج مفاهيم "العصبية" التي لا تنتمي لأي بعد ثقافي جديد، لأن التمسك في النهاية هو تعبير لاستمرارية ثقافتنا وليس خطوط متقطعة تخبو ثم تخرج كـ"غضب" لا يفرض على الآخرين أي ضغط لاحترام هذه الثقافة.

رغم اعتقادنا بأن الدنمرك صغيرة وقادرين على تفجير غضبنا تجاهها دون عواقب سياسية، فإننا نكتشف اليوم أن المسألة أعقد مما نعتقد لأنها مرتبطة بحيوية ثقافية وليست بحجم جغرافي، وأن التعامل معها يفترض البحث الجدي عن مساحات جديدة لا تمت للاحتجاج بصلة بل بفعل ثقافي جدي لإعادة الحيوية لثقافتنا.