حسني عبيدي لوموند- 15/3/2006

التابوت أو المنفى. هذه هي البدائل المطروحة على الجامعيين العراقيين للأسف . في الماضي كانوا مجبرين على الانضمام لحزب البعث ومكممّين بنظام صدّام حسين , واليوم يجدون أنفسهم بحاجة إلى الحماية من قبل ما تبقّى من السلطة الوطنيّة. فمنذ احتلال العراق وحلّ أعضاء الحكومة , تتعرّض الجامعات العراقيّة , مثل كل البلاد, إلى حملات نهب غير مسبوقة, الحواسيب سرقت, قلب المكتبات الجامعية والإدارية , المؤسسة منذ عقود , حطمت ونهبت, المخابر أفرغت من محتوياتها وبيعت في سوق الأغراض المستعملة في ضواحي بغداد .

خلال زياراتي الأخيرة لجامعة بغداد وجامعة المستنصريّة , كان أصدقائي من الأساتذة والمعلميّن في قسم العلاقات الدولية وعلم الاجتماع يتناوبون على الكومبيوتر الوحيد المتاح ليتمكنوا من استكشاف بريدهم وإجراء بحوثهم على الشاشة. أما الطلاّب فقد عبرّوا لي عن هلعهم ومشاقّهم في إصدار مذكراتهم نظراً لعدم وجود مصادر وكتب. وهكذا تطلب منّي طالبة ناطقة باللغة الفرنسيّة أن أعطيها معلومات عن آخر أعمال برتراند بادي , لأن مكتبتها لم تتلّق أي كتاب له منذ كتابه الدولة المصدّرة ( فايّار , 1992) . وطالب آخر يدرس العلوم السياسيّة طلب منّي أخبار كلود جوليان ( الذي توفي في 6 ايّار 2005 ) , وكان قد وضع توقيعه على آخر عدد من لوموند ديبلوماتيك يقتنيه.

ولم تخرب المكتبات بفعل ذلك فقط . إن الآلاف من الجامعيين والباحثين العراقيين قتلوها على مر الزمن . كثيرون منهم باعوا بيوتهم ليتخذوا مساكن متواضعة . أو أنهّم تخلّوا عن أغلى ما لديهم , كتبهم , لتأمين متطلبات العيش.

منذ 2003, لا ينفكّ العراق يحصي قتلاه . حسب البروفيسور عصام الراوي, رئيس لجنة المعلمين العراقيين , فإنه في 25 حزيران 2005 , اغتيل 110 جامعياً , منهم 12 بيد القوات الأمريكية في ظروف مريبة . وبالنسبة لل89 الباقين فإن الشكوى ضد مجهول ... تقبع في دروج الوزارة العامّة . لقد دفع علماء وجامعيون أرواحهم ثمناً لتورطهم في قضايا المعرفة والثقافة. ومن سخرية القدر , أن الحكومة العراقية تفتخر بأنها وزعت سلاحاً علي الأساتذة ليدافعوا به عن أنفسهم . وهكذا تصبح دورات الرماية إلزامية لمن يريد أن يحاضر في أي درس .

إن المبالغ المهولة التي يكرّسها المجتمع الدولي , لإعادة إعمار العراق , لن يكون لها قيمة أمام إهمال الرأسمال البشري , الذي همّشه نظام صدّام حسين وتجاهله من جاء بعده . لقد آن الأوان كي تقترح المنظمات العالمية حلولاً واقعية لمد يد العون لمهنة في خطر . أليست مناسبة كي تثبت الأونيسكو البعد الإنساني الكوني لمهمتها ؟

ولذا فنحن نطالب كل جامعة أو مركز بحوث أن يقوم بحركة لتبني أحد الجامعيين أو إحدى الجامعيات واستضافتها لشهرين أوثلاث شهور مثلاً , وهو الوقت الذي يعطيه خلاله استراحة من نص الجنون القاتل .

أمام اغتيال النخبة العراقية , الاغتيال الذي يحرم البلد من ثروتها الحقيقية , ننادي اليوم من جنيف , مدينة الإنسانية والعلم , ومن باريس عاصمة المعرفة والنور , نداءً عالمياً لنصرة وحماية الجامعيين العراقيين , ونطالب السلطات العراقية والقوى المتعدّدة الجنسيات وكل الفعاليات الحاضرة بأن يأخذوا كل الإجراءات التي يقدرون عليها لتوفير شروط الأمان والظروف الماديّة التي تتيح للدارسين العراقيين تلقي العلم بحرية واستقلالية.