خليل العسلي - بكة أمين

"اسرائيل كانت دولة الاحزاب، ولكن هذه الدولة تفككت، فأصبحت هناك حركات وقوائم وليس احزابا، واصبحت الكنيست هذه الايام عبارة عن مكان لتجمعات على اساس قومي (المهاجرين الجدد والاحزاب العربية) او ديني (شاس، ويهدوت هتواره) او على اساس مصالح خاصة (المتقاعدين)"، هذا ما اكده البروفيسور في جامعة تل أبيب يورام بيري، مضيفا الاربعاء 29 آذار، ان "هذا الوضع لا يختلف كثيرا عن الوضع في اوروبا، ولكنه في اسرائيل يأخذ صورة اكثر حدة وعمقا مما قد ينعكس على تماسك المجتمع الذي اصبح يعيش في مجتمعات صغيرة مغلقة".

وجاءت هذه التصريحات في الوقت الذي لم يستوعب فيه بعد اعضاء حزب المتقاعدين حجم الفوز الذي حققوه في هذه الانتخابات، هذا الفوز الذي لم يتوقعه حتى مؤسس الحزب رفائيل ايتان والذي لم يخفي هذا الذهول عندما سأله احد الصحفيين الاربعاء عن المواقف السياسية لاعضاء الحزب فقال بصراحة أنه لا يعرفها.!! وانه سينتظر حتى يجتمع مع اعضاء الحزب "المفاجأة" لبلورة موقف سياسي في القضايا العالقة مثل الصراع مع الفلسطينيين والجدار الفاصل والكثير من المواضيع التي لم يحلم ايتان ان يأتي يوماً واحداً عليه وان يتخذ فيها موقفا عاما.. حتى زوجته ميريام قالت انها لا تعرف احداً في الحزب الذي حصل على سبعة مقاعد في الكنيست، حتى انها لم تعرف ان زوجها شكل حزبا الا بعد ان اعلن انه سيخوض الانتخابات مرة اخرى بعد المحاولة السابقة والتي لم يتمكن فيها من الحصول على نسبة الحسم.

ولكن من هو رفائيل ايتان ابن الـ 79عاما والذي اصبح بين ليلة وضحاها هدفا لجميع وسائل الاعلام، واصبح شخصية عامة بعد ان كان شبه مجهول (كعادة رجال الموساد)..

ان رفائيل هو احد المسؤولين السابقين في جهاز "الموساد" حيث قضى عمره في تنفيذ عمليات سرية ومهام خاصة كلف بها الجهاز في انحاء العالم.. وهو ممنوع من الدخول إلى الأراضي الأميركية بسبب تورطه في قضية تجسس صناعي، ومشاريع تجارية في كوبا.. حتى زوجته لا تعرف عن هذه الفترة شيئاً، رغم انهما متزوجان منذ اربعين عاماً، وقالت لاذاعة الجيش الإسرائيلي انها لا تعرف شيئاً عن عمل زوجها السابق!

وكما هي عادة الصحافة فانها رجعت الى الدفاتر القديمة لمعرفة من هو رفائيل ايتان والذي من المؤكد انه سيكون وزيراً في اية حكومة سيقوم ايهود اولمرت بتشكيلها!! فوجدت أن ايتان هذا صاحب آراء يمينية متطرفة نوعا ما، حيث كان من القلائل الذين وقعوا في التسعينات على وثيقة تدعو الحكومة الى تشجيع ودعم ظاهرة احتلال التلال في الضفة الغربية على يد المستوطنين والذين اصبحوا يعرفوا فيما بعد باسم شبان التلال او الهضاب، كما انه قدم الدعم الفعلي لهؤلاء الشبان والذي قاموا بتنفيذ تعليمات الوزير انذاك ارئيل شارون.

ولكن ايتان سارع الى نفي ذلك، مؤكدا صحيح انني اشعر بأن ما يقوم به المستوطنون هو عمل وطني من الدرجة الاولى، ولكن اعتقد انه من اجل السلام يجب اخلاء القسم الاكبر من المستوطنات، مضيفا انه لو لم يكن لديه حزباُ لانضم الى حزب "كديما"، فهو يؤمن بنفس المبادئ..

عودة الأحزاب الدينية..

واظهرت نتائج الانتخابات ان الاحزاب الدينية عادت الى وسط الساحة الحزبية الاسرائيلية مرة اخرى بعد ان اختفت في الكينست السابقة، حيث حصل حزب "شاس" الديني على 13 مقعدا،ً واصبح القوة الثالثة، بينما حصل حزب "يهدوت هتواره" المتدين على 6 مقاعد، وقد أعلن هذان الحزبان استعدادهما للدخول في الحكومة، مما يعني ان الساحة الحزبية الاسرائيلية عادت سنوات الى الوراء، الى الفترة التي كانت تلك الاحزاب تمارس الابتزاز السياسي مقابل تأييدها للحكومة.

بينما فقد معسكر اليمين قوته في الكنيست القادمة، وبالتالي فانها لن تكون ذات تأثير كبير على مصير الحكومة، حيث توزعت اصوات معسكر اليمين على النحو التالي: 12 "اسرائيل بيتنا"،11 الليكود، تحالف الاتحاد القومي-المفدال 9 مقاعد.

اين اليسار؟!

كما ان اليسار الاسرائيلي مني بخسارة كبيرة حيث حصل حزب "ميرتس" على 4 مقاعد فقط، ذلك الحزب الذي كان يعتبر في يوم من الايام الحزب الثالث من حيث القوة والان اصبح يصارع من اجل البقاء، ولهذا سارع ران كوهين من قيادة "ميرتس" الى الطلب من يوسي بيلين زعيم الحزب تحمل مسؤولية هذا الفشل "اعتقد انه يجب ان يتحمل كل المسؤولية لاننا فشلنا في الحفاظ على قوتنا، بل وخسرنا مقعدا واحدا". ولكن بيلين قال انه "رغم هذه الخسارة الا ان الحزب تمكن من الحفاظ على اللبنة الاساسية للحزب"، هذه التصريحات اثارت حفيظة اعضاء "ميرتس" والذي طالبوا بيلين ان يتحمل المسؤولية بل والاستقالة فورا.

وبقي في معسكر اليسار الاحزاب العربية والتي اثبتت ان استطلاعاات الرأي فشلت في تنبؤ حجمها الحقيقي. فقد رفعت الاحزاب العربية عدد المقاعد مجتمعة بحيث وصلت الى 10 مقاعد، إذ حصلت القائمة العربية على 4 مقاعد، والجبهة على 3 مقاعد، وكذلك حصل التجمع الوطني الديمقراطي على 3 مقاعد رغم ان جميع استطلاعات الرأي توقعت ان لا يتمكن التجمع من تجاوز نسبة الحسم، 2%.

من ناحيتها سارعت البورصة الاسرائيلية الى اعلان حالة قلق وخوف من المستقبل على ضوء نتائج الانتخابات وهذا انعكس سلبا على الاداء الاربعاء حيث انخفضت اسعار الاسهم الى اكثر من 1.9% بينما سجل الطلب على الدولار ارتفاعا كبيراً ادى الى ارتفاع سعر العملة الاميركية.