يتهيّأ الرأي العام التقدميّ في بريطانيا لخوض معركة ضد توني بلير عنوانها «قانون حقوق الإنسان» الأوروبي. فأمام كل تقصير تبديه السلطة وشرطتها يعامَل القانون المذكور كأنه، حسب الصحافي مارسيل برلنز، «كبش المحرقة». هكذا يتم تحميله المسؤوليّة ويرتفع الصوت الحكومي مطالباً بإلغائه.

وحيال الأزمات الكثيرة التي تعصف ببلير، لا سيّما بعد الانتخابات المحليّة الأخيرة، يتعاظم البحث عن أكباش محارق وعن قضايا شعبويّة رخيصة. وما دام المحافظون، في ظل قيادتهم الشابّة الجديدة، هم الذين كسبوا المحليّات، غدت الشعبويّة المطلوبة يمينيّة تعريفاً، همّها الأول المزاودة على المحافظين بشعاراتهم.

والحال ان الغاء «قانون حقوق الانسان» مطلب محافظ، إلا أن اتفاق المحافظين وبعض العمال حوله لن يسهّل المعركة الصعبة التي يستدعيها الإلغاء. ذاك ان بريطانيا تبقى ملزمة بالميثاق الأوروبي لحقوق الانسان وهو، بدوره، جزء لا يتجزّأ من بُنية المجلس الأوروبي المتّصل، بدوره، بواقع الاتحاد الأوروبي.

وقصارى القول إنها مواجهة جديّة لا ينفع معها التهريج، تنضوي فيها جملة من المسائل التي ترتبط بالتطوّر الديموقراطي لبريطانيا، وبمستقبل الديموقراطيّة في أوروبا، فضلاً عن مصائر الإتحاد الأوروبيّ نفسه ووجهته. بيد أن التهريج هو ما يُقحمه بعض اليسار القديم في المعارك الجديّة. ومن هذا القبيل دعوة عمدة لندن كين ليفنغستون الرئيسَ الفنزويلي هوغو شافيز ليحلّ ضيفاً حيث حلّ من قبل الشيخ يوسف القرضاوي.

وشافيز قد يقال فيه الكثير سلباً وايجاباً، باستبداديّته وشعبويّته وتمثيله حالة كاسترويّة في زمن تلفزيون الواقع (reality TV) والثرثرة شبه الميلودراميّة لمسلسلات الـ soap operas، كما بإنجازاته الفعليّة في مجالي التطبيب والتعليم اللذين أفاد منهما فقراء فنزويلا ممن خلّفتهم وراءها نخبة بلدهم التقليدية والفاسدة. إلا أن ما قاله ويقوله في شافيز مستقبلوه من بقايا رموز الحرب الباردة (ليفنغستون، توني بن، طارق علي) هو المقابل - المعادل لما قاله فيه رامسفيلد حين وصفه بأنه هتلر! فأن يمقت شافيز توني بلير ويعتبره «دمية الامبريالية» غير كافٍ لجعل البريطانيين يتعلّمون منه «المشاركة الديموقراطيّة»، على ما قال ليفنغستون، أو للتوكيد على «وعده» بأن «كل حركة [من حركاته] سوف تكون خاضعة لإرادة الشعب»، على ما كتب جون بيلجر. وطبعاً لم يقصّر الرئيس الفنزويلي في الصداح وهو ضيف العاصمة البريطانية، مبدياً استعداده لتوفير النفط لفقراء أوروبا تيمّناً بدعوة سابقة له لفقراء الولايات المتحدة. كذلك لم يفتْه تذكير مستقبليه بتعلّمه بضعة كلمات انكليزية («هل تريد قهوة؟ هل تريد كأس حليب؟») واستعادته أسماء برنارد شو وروزا لوكسمبورغ وفيثاغوراس وتوماس جفرسون، وأمّه بالطبع، وتنويهه بأن اشتراكيّته مسيحيّة لأن المسيح، عنده، هو الاشتراكي الأول، وإظهار إعجابه بالبابا ولكنْ أيضاً بماو تسي تونغ، فضلاً عن ثابتيه سيمون بوليفار وتشي غيفارا، والتنبيه الى أن أميركا نمر من ورق تعيش ساعاتها الأخيرة.

وهذا قد يجيز الضحك وقد يثير البكاء، إلا أنه يبعث على التساؤل عن طبيعة التعاطف لدى بعض اليسار الغربي القديم مع قضايا «العالم الثالث». فكأن هؤلاء، والحال على ما هي عليه، انما يعلنون خروجهم من النقاشات الفعليّة لبلدانهم، كمسألة بريطانيا وحقوق الانسان، بالذهاب مذهب المبالغة في الإكزوتيكيّة. وهو، بمعنى ما، مُهين لشعوب «العالم الثالث» التي شاء حجة الاسلام نعوم تشومسكي ان يزور أحدها، لبنان، فيبارك «حزب الله» وبندقيّته التي يرفض مثلها حين تكون في يد تيموثي ماكفاي، أو بقايا «كونفيديراليّة الجنوب» في بلده