وصفت صحيفة واشنطن بوست بناء عدد من الجدران في العاصمة العراقية بغداد من اجل انجاح العملية الامنية انه دليل علي فشل العملية نفسها وضد بلاغة الرئيس الامريكي جورج بوش ومؤيديه عن الانجازات التي تم تحقيقها، وشبه الكاتب يوجين روبنسون، الذي عمل مراسلا للصحيفة في لندن قبل عقدين من الزمان جدار الاعظمية بالحائط الذي اقامه الانكليز في ايرلندا الشمالية، في مدينة بلفاست لكي يحجز بين الكاثوليك والبروتستانت.

واكد قائلا ان الكثير من الحوادث الداخلية في امريكا مثل حادث القتل في جامعة فرجينيا التكنولوجية، والجدل حول التعليقات العنصرية التي اطلقها المعلق الاذاعي المعروف دون ايموس ومشاكل البرتو غونزاليس جعلت اخبار العراق في مؤخرة نشرات الانباء، مما سمح للجيش الامريكي بأن يقوم بعمليات البناء تحت جنح الليل في ما اطلق عليه الجنود سور الاعظمية العظيم. واشار قائلا الي ان الامريكيين يقومون بتحويل بغداد الي بلفاست جديدة.

وعلق علي تبريرات الادارة حول بناء الجدار بأنه مؤقت يهدف لتخفيف حدة القتل والعمليات ومن اجل دعم العملية الامنية، مشيرا بسخرية الي ان خطوط الفصل في مدينة بلفاست قصد منها ان تكون مؤقتة والتي بدأ انشاؤها في السبعينات من القرن الماضي ودامت لعقود. وتحدث عن ان بناء الجدران في بغداد واقامة نقاط التفتيش في احيائها يقوم بتحويل بغداد بحسب المصطلح الامريكي الي مجتمعات مسورة، ويعطي دليلا علي ان عملية الدفع التي اعلن عنها الرئيس الامريكي جورج بوش بداية العام الحالي بقوات امريكية جديدة لبغداد ما هي الا محاولة لشراء الوقت.
مما يعني ان التزام بوش المفتوح بحراسة والاشراف علي نقاط التفتيش والجدران ستكون من مهمة الرئيس المقبل الذي سيرث المشكلة من بوش.

ويقول ان الجدار الذي بني الان لم يمنع العمليات الانتحارية ولا الاختراقات الامنية التي وصلت الي قلب المنطقة الخضراء التي تقيم فيها القيادة الامريكية وما يطلق عليها اسم حكومة الوحدة الوطنية.

وحتي لو افترضنا، يتساءل الكاتب، ان العنف توقف في بغداد وتوقف رمي الجثث فان العنف سيجد اماكن اخري للعمل منها والانتشار. وهناك ادلة كثيرة تشير الي هذا الوضع.

ويري الكاتب ان المشكلة الحقيقية في العراق كما يري الكثير من نقاد الرئيس هي سياسية ولن تحل ما دامت حكومة نوري المالكي لم تتخذ الخطوات اللازمة لتحقيق الوحدة الوطنية والتفاوض مع جماعات المقاومة السنية، وفي الوقت الحالي فان ارتفاع الجدران سيعزل المجتمعات السنية والشيعية خلفها، واذا كان من شيء ستحققه الجدران فانها ستزيد من عمليات التطهير الطائفي خاصة الاحياء المختلطة.
وكتب روبنسون قائلا ان الجدران لا توحد بل تفرق، كما ان الجدران تعطي الحقد والكراهية ارضية صلبة. ويتحدث عن تجربته في شمال ايرلندا عندما زار ما يعرف باسم خط السلام في فولز رود الذي يعتبر مركز الكاثوليك وشانكيل رود الذي يعتبر معقل البروتستانت، حيث يقول ان كل شيء كان يبدو عاديا علي السطح الا ان الحقد كان يسري في داخل البيوت المتشابهة حيث اورثت العائلات علي الجانبين الحقد جيلا لجيل، وتساءل كم من الوقت نحتاجه لكي نصل الي تلك النقطة في بغداد، خاصة ان بوش ادخل الولايات المتحدة في نزاع اهلي يحتاج الي سنوات بل لعقود لكي ينتهي. واذا كانت الحكومة العراقية تمارس سلطتها الفعلية ودورها في المصالحة الوطنية فان الجدران يجب ان تزول بدلا من ان ترتفع.

وعلق قائلا ان المالكي عبر يوم الاحد عن رفضه الجدار قائلا انه يذكر العراقيين بجدران لا يحبونها، ربما كان يفكر بجدار برلين او بلفاست او الجدار الذي بناه الاسرائيليون او عرف انه من السهل بناء جدار ولكن من الصعوبة بمكان تدميره. وكانت الصحيفة قد اشارت نقلا عن مسؤولين عسكريين امريكيين ان هناك خططا اخري لبناء عشرة جدران فيما اطلق عليه المجتمعات المسورة. وتحدثت الصحيفة ان الجنود الامريكيين سيقومون بجمع بصمات السكان واخذ بؤبو عيونهم وذلك في الاحياء التي سيتم تسويرها. وقالت ان الجهود هذه جزء من خطة تستمر شهرين لمواجهة المسلحين وتم تنظيمها بناء علي ما جري في مدينتي الفلوجة وتلعفر. واشارت الي ان الجنود من فرقة متخصصة في عملية انشاء الجدران تقوم تحت جنح الليل بعمليات الانشاء حول حي الغزالية الذي تعتبره القوات الامريكية احد اهم معاقل المقاومة السنية.

وتحدثت صحيفة لوس انجليس تايمز عن الخلاف اللفظي حول الجدار، وقالت ان الجدران والكتل الاسمنتية موجودة في كل مكان في العراق امام المستشفيات والمدارس، وحول المنطقة الخضراء الا ان الجدار الحالي حول اول مشروع يقوم بتطويق حي كامل داخل العاصمة بغداد. واعتبر سكان الحي ممن تحدثت معهم الصحيفة ان الخطة ما هي إلا محاولة لمحاصرتهم وقتلهم واحدا واحدا لان سكان الاعظمية معروفون بعدم انصياعهم لاوامر ما قال احدهم الحكومة الطائفية .

وعلقت صحيفة الغارديان البريطانية قائلة ان عصر الجدران بدأ حول العالم، مشككة في ما قالته الادارة الامريكية حول الجدران وكونها مؤقتة خاصة ان حجم الكتلة الاسمنتية الواحدة يصل الي اكثر من ستة اطنان، والتاريخ يشير الي انه طالما ارتفع الجدار فان انزاله سيأخذ وقتا طويلا، واشارت الي ان جدار السلام في بلفاست لا زال قائما بعد ان سكتت البنادق، وقدمت الصحيفة عرضا للجدران التي بنيت في انحاء العالم، بين الامارات وعمان، واليمن والسعودية، وموزامبيق وجنوب افريقيا، وفي سبته ومليلية والمنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين.

مصادر
القدس العربي (المملكة المتحدة)