لا ندري، ما هو السيناريو الأفضل، الذي يفكّر فيه الرئيس محمود عباس لإنهاء معضلة غزة والانقلاب العسكري الذي قادته حركة حماس، وأفضى إلى سقوط قطاع غزة بصورة مهينة في أيدي الحركة؟! المطروح أمام عباس خيارات متعدّدة، وأكاد أجزم – رغم الغضب الفجائي العارم الذي اجتاحه مؤخراً – أنّه لم يفكّر مطلقاً بخيار القوّة، وإلاّ كان لجأ إليه قبل الانقلاب أو إبانه على أقل تقدير، وقد يسأل البعض، ومن أين له القوّة ليحسم الأمر، فنقول إن أكثر من جهة عربية ودولية كانت ستمدّ له ألف يد لتعينه على ذلك، إلا أنه لم يكن مطلقاً ليفكر في الأمر، أو يلجأ لهذا الخيار، لاعتبارات كثيرة ومهمّة.

وفي المقابل، لا ندري ما هو السيناريو الممكن أمام رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، في ظل عدم وجود خيارات للخروج من المأزق الكبير الذي وُضع فيه، أو فُرض عليه ؟! ومن ثمّ تبنّيه والدفاع عنه؟! ويكاد المراقب للأوضاع لا يجد أمام حماس وقادتها، مفرّاً من الرضوخ للأمر الواقع، والبحث عن حل يخلّصها من الكارثة التي أوقعت نفسها فيها وأوقعت جميع الفلسطينيين فيها أيضاً، وفي مختلف أماكن تواجدهم، لأنها خلقت شرخاً ليس من السهل معالجته، وجرحاً ليس من السهل الشفاء منه، فقد أوصلت الأمور إلى مرحلة أقسى وأصعب من كسر العظم – كما يرى البعض - بصورة أغلقت كل منافذ الوصول إلى حلّ، ولم تجعل لها كوّة يمكن لبصيص أمل أن يمرّ عبرها، حتى وإن تعالت الأصوات الداعية إلى الحوار، لأن ألف صوت ستشكّك بجدوى هذا الحوار بعد "خراب مالطا" الذي حدث.
وبهذا، فلا يظنّنّ أحد أننا نتحامل على حركة حماس، بل إنني أحد الذين صُعقوا من هول ما بدر من أفرادها، وهول ما شاهدت أو سمعت، وكان أحرى بها أن تنأى بنفسها عن ارتكاب الجرائم والمسّ بالمحرّمات، لأنه ما كان يُعقل منها أن تفعل ذلك، وهي رافعة لواء الدين وراية لا إله إلا الله، التي حرصت في الحروب حتى على سلامة الشجر، وراعت حتى في الحلال، قضايا من قبيل ذبح الدجاج!

وليس من المعقول أن نبرّر ما حدث بأنه عائد إلى ردّة فعل على تصرفات بعض أفراد حركة فتح أو المنتسبين للأجهزة الأمنية، وإن كنّا لا نُنكر حدوثها، ونؤمن أيضاً أن فتح، كما أثبتت الأحداث، كانت طرفاً ضعيفاً مقابل حماس الطرف القوي، ونستغرب كيف كان هذا الطرف "الهشّ" متسلّطاً على المسلّح والمدرّب؟!
ولكن، ماذا بعد؟ وما هو المطلوب؟ وإلى متى تبقى الأوضاع على ما هي عليه؟ وأسئلة أخرى كثيرة وكبيرة، بعضها يتردد ويجول في الصدر والفكر، وبعضها مصرح عنه. وفي المحصلة، فإنّ الذي يدفع الثمن هو الشعب، الذي ما شعر بالاستقلال يوماً ولا تخلّص من الاحتلال البتّة.

لقد قُسّم العرب عربين، شئنا أم أبينا، وأعيد ماضي الخلاف، فظهر القيسيون واليمنيون الجدد، ليدخل الجميع في معترك خصام وشقاق لا رابح فيه. والأدهى والأمرّ أن الكل يعي تماماً حجم الكارثة والمصيبة، فيما لا يُقدم على أية خطوة تقرّب ولا تبعّد، ويتواصل الطرفان في هجومهما الإعلامي على بعضهما دون أن يتركا مجالاً للمصالحة التي ستحدث طال الزمن أم قصر، لأنه لا مناص من التفاهم، ولكن ليس قبل أن يُعاقب المسيء، وينال القصاص العادل، لكي تهدأ النفوس، ويطمئن البال، ولأنه ليس معقولاً أن تُحقن الدماء بـ "بوسة لحية" و "فنجان قهوة"، فما حدث زلزال كبير، ومعالجة آثاره لن تكون سهلة، رغم أنها ممكنة، وأن على من أشعل الشرارة، أن يبادر إلى إطفاء الحريق.