حدية الخيارات هي الصورة الأقوى التي مثلتها حرب تموز عبر مسار العودة إلى مفهوم الصراع العربي – الإسرائيلي، فعلينا أن نسجل لما جري قبل عام لقدرته على كسر المعادلات الداخلية، وضرورة النظر بعمق إلى الطبيعة الحدية التي تنظر إليها إسرائيل والولايات المتحدة لعناصر الحرب، لأن المعركة كانت تتطور قبل أسر الجنديين، ومعركة الديمقراطية التي حملتها الولايات المتحدة انتقلت لمواقع أخرى، بعد أن تحول صراع الديمقراطيات إلى نظريات في طبيعة الطوائف، وإنهاء تعبير الدولة على حساب المرجعيات الدينية ... هذا ما جرى في العراق على الأقل أو ما قدمته تجربة صناديق الاقتراع في فلسطين ومصر، لنصل في النهاية إلى نفس نقطة البداية، فصناديق الاقتراع أكدت "الحرب" بدلا من أن تحمل السلام.

وحرب تموز التي تم التعامل معها في كثير من الأحيان على أنها تحمل أيضا مرجعية طائفية، سجلت مسارا لا يمكننا التعامل معه وكأنه قادم من مراكز الدراسات في الولايات المتحدة. هذه المراكز أعطت بعضا من رأيها على "قناة الحرة" خلال الأيام الأولى للحرب، وكان أخطرها ما قيل على أن الموقف المصري والأردني والسعودي هو انتفاضة "سنية"!!! والقياس هنا قائم على طبيعة التحالفات والخلافات الأمريكية مع إيران، وعلى نتائج التعامل مع العراق على أساس إنهاء الدولة على حساب المرجعيات الطائفية.

بالطبع ليس مطلوبا تحليل الموقف الأمريكي، فمع كامل الاحترام لأدوات البحث العلمي، لكن معادلات التوازن الداخلي تحمل عناصر أكثر عندما يبدأ البحث في التعامل مع طبيعة الحرب التي انتشرت بشكل سريع، وشهدت فصول إبادة في فلسطين وتنتقل نحو محاولة قلب المعادلة على شاكلة "الطوائف" التي تراها "مراكز الأبحاث" كتعبير أمثل عن مجتمعاتنا.

السيد حسن نصر الله تحدث أيضا منذ الأيام الأولى للمعركة عن حرب مفتوحة، وهي بالفعل كانت مفتوحة على مساحات أوسع من العمل العسكري، لأن كسر الإرادة كان غاية ما حدث وكانت الحرب تسعى لتجميع جديد للمجتمع والدولة، فهو كسر إرادة للعودة لما قبل الدولة، وإلى المفهوم الذي يريده البعض أن ينتصر لأنه "أكثر ديمقراطية في التعبير"!!!

"معركة" الديمقراطية خسرت لأن الولايات المتحدة حاولت عبرها اختراق المفاهيم التي جمعت في القرن الماضي المجتمع، والمعركة مع إسرائيل كانت تخسر لأنها أيضا سارت وكأنها "الكل" والجامع والقادر على تأجيل كافة المسائل الداخلية ... وبعد حرب تموز ظهر وكأننا أما مسألتين متلازمتين حيث لا يمكننا الهروب من "المفاهيم" التي استهلكت كشعارات للمعركة على إسرائيل، ولا يمكننا أيضا التخلي عن "صراع الحداثة" داخل المجتمع بكل ما يحمله من مسائل الديمقراطية والمواطنة والإصلاح وغيرها....

بروز الحرب مع إسرائيل ليس عودة تاريخية، لأن علينا قبل كل شيء إدراك أن هذه الحرب كانت حاضرة في كل اللحظات التي بدأنا فيها الاقتناع بخيارات جديدة، فنحن أمام مساحات من العمل تتجاوز الثنائيات المعهودة، فالمسألة حيوية أكثر من المحاور السياسية التي تظهر اليوم عبر بعض التحليلات السياسية.

مصادر
سورية الغد (دمشق)