على المتابع السياسي في بلادنا العربية وشرق المتوسط أن يبقى في حالة طوارئ لمتابعة كل ما يدور ويجري هناك من ألاعيب ومهازل وفتن. فكل ساعة ولا نقول كل يوم تأتي بجديد. وأكثر المستجدات تخص الوضع في فلسطين المحتلة وعملية التطبيع العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني، التي يتخللها تآمر واضح وصريح على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي شردوا منها سنة 1948. ويتآمر الكيان الرسمي العربي، ومعه القيادة المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية قبل غيرهم على القرارات الدولية ذات الصلة باللاجئين. ويرضخ العرب بشكل شبه جماعي للشروط الإسرائيلية التي استطاعت اختراق مبادرة السلام العربية بالرغم من أنها لا تتحدث بصراحة ووضوح عن حق العودة. ولا بد من التذكير أيضا أن هناك سفارات ومكاتب تمثيل إسرائيلية في المشرق والمغرب العربي، أي من المحيط إلى الخليج.. تمثيل وتبادل علاقات بالمجان وعلى حساب الشعب الفلسطيني وحقه بالعودة والحرية والحياة. وكذلك على حساب التضامن العربي الذي لم يعد منه سوى مقر الجامعة العربية. وهذا أصبح بدوره ممراً لدخول الصهاينة إلى كل بلاد العرب. من هنا جاء مؤخراً الموقف السوري في اجتماع وزراء الخارجية العرب ليعبر بشكل علني وصارخ عن رفض و مقاومة بعض العرب للعبة القذرة التي تمارسها واشنطن، والتي يشارك فيها عرب يدعون خوض المعركة السياسية والدبلوماسية مع كيان الاحتلال الصهيوني. هذا وسبق لاجتماع دعوة وجهت لوزيري خارجية مصر والأردن لحضور اجتماع للجنة الأمن والشئون الخارجية في الكنيست الصهيوني. قبل وبعد ذلك سمعنا أيضاً تصريحات مخيفة ومرعبة لكل من محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وسلام فياض رئيس حكومة تسيير الأعمال، المعروف بعلاقاته الحميمة مع الولايات المتحدة وتبعيته للسياسة الأمريكية الرسمية. ففي تصريحاته طمأن فياض الصهاينة بأن حل العودة لن يكون إلا وفق تصور مشترك بين سلطته وكيان الاحتلال. وعاد محمود عباس وكرر تقريباً نفس الكلام بصيغ أخرى عندما تحدث لصحيفة صهيونية عن حل خلاق لقضية اللاجئين الفلسطينيين. والحل الخلاق لن يرضي الفلسطينيين وسوف يتوافق مع حلول شارون والمرت وبوش ورايس الخلاقة.. تلك الحلول التي تريد شطب حق العودة نهائياً. وقد أكد الجانب الإسرائيلي موقفه الثابت من قضية حق العودة، حيث قالت وزيرة خارجية كيان الأعداء تعليقاً على سماح كيانها بدخول 41 فلسطينيا من لاجئي العراق إلى الضفة الغربية، أن هذا السماح لا يعني بأي شكل من الأشكال اعتراف كيانها بحق هؤلاء بالعودة. كما اشترطت لدخولهم بان يعاملوا كمواطنين من الضفة الغربية نتيجة وجود أقارب لهم هناك، وأن يتم منحهم أرقاماً وطنية من قبل السلطة الفلسطينية.

يبدو من خلال تطور الأحداث في بلادنا أن عجلة الأمر الواقع الصهيوني الأمريكي سوف تعبر عدة عواصم عربية. إذ هناك تحالف واضح بين الصهاينة والولايات المتحدة الأمريكية وكثير من الدول العربية التي لا تمانع في تطبيع مع الصهاينة مقابل مساعدات مادية أمريكية. ولم يعد العرب يتحدثون عن حق العودة ولا عن اللاجئين الفلسطينيين الذي يبلغ تعدادهم نحو ثمانية ملايين لاجئ مشردين ومعذبين في بلاد إخوانهم. أما الشيء الأغرب في كل ما يجري هو موقف الفصائل الفلسطينية المعارضة وكذلك مواقف قادة فتح المعارضين لنهج عباس، هؤلاء بدلاً من أن يعلنوا أن عباس ومن معه لا يملكون شرعية فلسطينية للتحدث باسم الشعب الفلسطيني والتفاوض حول حق اللاجئين في العودة، نراهم يكتفون بالكلمات العابرة التي لا يمكن فهمها أو ترجمتها إلى مواقف. أما حماس والجهاد اللتان عليهما تقديم موقف واضح من المنظمة وبرنامجها السياسي وميثاقها الوطني ومؤسساتها وشرعيتها. تعيشان أيضاً في تخبط وهذا التخبط واضح أكثر لذا حركة حماس التي لازالت تعاني من عواقب أحداث غزة. فحماس التي اعترفت بوجود أخطاء ومظالم حيث قال رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في حوار مع جريدتي الأهرام والخليج أن حركته تعتذر لله عن أخطائها. بينما قال نائبه موسى أبو مرزوق أن الحركة مستعدة للاعتذار من الشعب الفلسطيني والتعويض عن بعض المظالم. هذه الحركة عليها اتخاذ موقف واضح من المنظمة ومن السلطة ومن المقاومة. فإما مقاومة وإما سلطة. ولا يجوز أن تتمسك بالسلطة وأن تتظاهر بالمقاومة. وعليها أن توضح موقفها من المنظمة ومستقبلها ومن الانتخابات الحرة للمجلس الوطني الفلسطيني. عندما توضح حماس موقفها يصبح من السهل التعامل مع ملف المنظمة ومع ملف قطاع غزة. بعد توضيح هذه الأمور يمكن و يستطيع عندها من يريد مواجهة عباس أن يزيحه من داخل أطر المنظمة. بطرق ديمقراطية عبر الدعوة لإجراء انتخابات بين الفلسطينيين في الشتات لانتخاب ممثلين عنهم لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية. ثم عندما ينتخب المجلس بطريقة ديمقراطية حقيقية سوف يكون بمقدار قيادة المنظمة المنتخبة أن تمثل الشعب الفلسطيني وتتحدث باسمه في كل مكان. وبانتظار أن يحدث ذلك سوف نبقى نرى مؤتمرات فلسطينية شعبية مثل مؤتمرات بيروت وبرشلونة وروتردام التي طالبت بالإصلاح وإعادة البناء والانتخابات والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية وأهمها حق العودة والمقاومة.

إن المطلوب من الشعب الفلسطيني الآن التصدي لعملية أوسلة القضية الفلسطينية وفلسطنتها لأن القضية عربية ولها عمق كبير ولا يمكن سلخها عن عمقها العربي. بالرغم من مواقف الأنظمة العربية المهزومة والمطبعة والمستسلمة. فالعروبة شيء والأنظمة شيء آخر. والتطبيع الرسمي شيء والشعبي شيء آخر. ولغاية الآن لا يوجد أي تطبيع شعبي عربي مع الصهاينة وخذوا مصر مثالاً على ذلك. أخيرا نرى حكمة الموقف السوري الذي رفض متابعة أعمال مسرحية وزراء الخارجية العرب ، الذي قالوا أنهم تداعوا لتفعيل مبادرة السلام العربية. فالتفعيل هنا يعني تعديل المبادرة بما يوافق آراء جورج بوش ورئيس وزراء الاحتلال الصهيوني. على الأقل إن السوريين احترموا أنفسهم ورفضوا ان يكونوا طرفاً في مبادرة ستشوه أكثر مما هي مشوهة. أما مندوب السلطة الفلسطينية الذي أعتبر ممثلاً لدولة فلسطين، كان يجب عليه احترام معاناة وعدالة قضية شعبه الفلسطيني ويعلن على الفور تضامنه على الأقل مع موقف الجانب السوري. فالأخير بانسحابه أعرب عن وقوفه ضد التآمر على حق العودة ورفضه لأمركة وصهينة البلاد العربية. كان بامكان وفد فلسطين أن يفعل ذلكً لو أن الذي ترأس الوفد الفلسطيني السيد فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية ووزير خارجية دولة فلسطين المنتخب من المجلس الوطني الفلسطيني. لكن شتان ما بين موقف رئيس الدائرة السياسية ورئيس وزراء رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة. فالذي جلس هناك على مقعد فلسطين، هذا الذي أدلى مؤخراً بكثير من التصريحات السياسية الخطيرة أوضح بشكل جلي أن موقفه أقرب لموقف الإدارة الأمريكية وسياساتها التي في نهاية المطاف هي ضد الشعب الفلسطيني وضد الأمة العربية منه لموقف الشعب الفلسطيني.