حركة الاعمار على قدم وساق ففي كل ضواحي المدن السورية وفي القرى الاصطيافية نرى حركة بناء واسعة لشقق سكنية في بنايات يعوزها الحس المعماري الجميل حيث تبدووكأنها تسديد لقلق عقاري يتناهب المواطن ،أو استثمار أفسحت له المصادفات كي يتصيده تجار البناء والسماسرة كرزقة مرصودة لهم بغض النظر عن المستقبل الذي لا يحمل في طياته أية وعود ايجابية لسكان هذه البنايات ضمن التركيبة الديموغرافية الحالية .

وسعار العقارات هو موجة عالمية لا يختص بها بلدنا لوحده فكل العالم تجتاحه هذه الموجة الاستثمارية ولكن في بلدنا يبدو وكأنه استمرار لأزمة السكن (غير الحقيقية فيما اعتقد ) والناتجة عن التوزع الديموغرافي الخاطىءمن جهة والتوزع الاداري والاقتصادي من جهة اخرى . ولكن المسألة برمتها ليست هنا !!

فهذا التوسع الخطير في ضواحي المدن الكبرى ، والقرى الاصطيافية مرتبط بشدة بمواردنا الخدمية وتحديدا بالماء والكهرباء ، حيث يبدو اعطاء التراخيص ليس محكوما بقدرة الجهة المرخصة بتأمين الخدمات اللازمة لأستمرار الحياة بشكلها الطبيعي .

يقال اذا كانت تكلفة ليتر الماء دولارا واحدا ( على سبيل المثال ) فأن تصريفه صحيا يحتاج الى دولارين ،والمسألة هنا ليست في المقدرة على فرض ضرائب خدمية جديدة وهو حق ولكن المسألة ليست بالاموال فقط فالموارد الطبيعية للماء محدودة ، والاستهلاك دون حركة اعمار واسعة ( يادوب ) يكفي ،فكيف ونحن امام مئات اللآف من الشقق السكنية المرخصة والتي تحتاج الى المليارات لتخديمها ، ولا يوجد موارد مائية طبيعية تكفي لها ؟؟؟ سؤال لا بد لأية جهة قادرة على اعطاء التراخيص أن تسأله لنفسها قبل اعطاء هذا الكم من التراخيص كي تحل ازمة قلق عقاري فتقع في ازمة خدمات خانقة ومستمرة . خصوصا انه لا تستطيع اية جهة ادارية اصدار امر اداري بوجود الماء الذي يكفي هذه التجمعات السكنية الضخمة ، فالموارد المائية هي موارد طبيعية وموزعة طبيعيا ، والادارة الناجحة هي من تستطيع استثمار هذا التوزيع بعقلانية ومعرفة ، طبعا هذا اذا اجلنا النقاش في استحقاق الكهرباء الذي ينطوي على الكثير من المسائل التنموية التي تحتاجها الدولة بالاشتراك مع المواطن وعلى قدم المساواة .

هذا التوسع السرطاني في حركة البناء بحاجة الى ترشيد واعادة توزيع بعقلية تنموية مستقبلية ، اذ لا يكفي أن نسدد القلق العقاري للمواطنين ونتركهم ( يدبرون رأسهم ) كمتورطين في المستقبل ، والا تحول الموضوع برمته الى عشوائيات جديدة تعيد المواطن الى عيش الخلاص الفردي بحلته المعاصرة .