ثمة شيء غامض يجري هذه الأيام في سماء الشرق الاوسط، يجعلها مكفهرة بغيوم الحرب في الصباح، ومشرقة بأشعة السلام عند الظهر.

وهذا يحدث على وجه التحديد في الفضاء السوري - “الإسرئيلي”.

فطيلة الأسبوع الماضي، كانت الأحاديث ترقى إلى حد التكهن بأن الحرب واقعة لا محالة خلال شهر أو اثنين. الدليل؟ اللائحة الطويلة التي أوردتها تل أبيب حول الاستعدادات السورية لإشعال نيران المجابهة: نشر آلاف الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى على طول الحدود “الإسرائيلية”، بما يجعل كل الشمال تحت رحمة النيران السورية. دفع فرقة مدرعة سورية جديدة إلى الخطوط الأمامية في الجولان، وزيادة إنتاج صواريخ سكود “سي ودي” ووضعها في غرف ومخابئ سرية. شراء اجهزة دفاع صاروخي متطورة وطائرات ميغ 31 إي الروسية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بثلاث مرات، وتستطيع ضرب أهداف متعددة في آن على بعد 110 أميال. ثم اخيراً نقل صواريخ شهاب-3 وسكود من إيران إلى سوريا على جناح السرعة.

في المقابل، كانت سوريا تشتكي من أن “إسرائيل” اجرت مؤخراً أضخم مناورات عسكرية في هضبة الجولان المحتلة منذ سنوات، تم خلالها التدرب على احتلال مدن وبلدات سورية؛ وان هذا ترافق مع إدخال تعديلات جذرية على الاستراتيجية العسكرية “الاسرائيلية” بما يضمن الفوز في حرب نظامية. وبما ان سوريا هي الآن العدو النظامي العسكري الوحيد في الهلال الخصيب ل”إسرائيل”، فهذا يعني بوضوح أنها هي المقصودة بالاستعدادات “الإسرائيلية” للحرب.

هذا كان في “الصباح”.

“بعد الظهر”، انقشعت الغيوم، وصدرت بيانات متلاحقة من نائب الرئيس السوري فاروق الشرع وبعض القادة “الإسرائيليين” بأن أحداً لا يريد الحرب. كما تم تبادل رسائل التضمين عبر أطراف ثالثة بهذا الشأن.

حتى الآن قد يبدو الامر مسلسلاً روتينياً من الفعل وردات الفعل التي يعج بها تاريخ المجابهة العسكرية العربية - “الإسرائيلية” إبان الأزمات. لكن الامر ليس كذلك. هذه المرة كان الصعود نحو قمة الحرب، يترافق مع النزول في الوقت نفسه إلى أسفل جبل السلام، أو على الأقل إلى مشاريع السلام.

وهكذا، كانت الأنباء تتواتر عن استعداد “إسرائيلي” لإغلاق المسار التفاوضي الفلسطيني لصالح المسار السوري، بما يضمن تسوية مسألة الجولان المحتل، إذا ما لبت دمشق “بعض الشروط “الإسرائيلية” والأمريكية”.

ما هي هذه الشروط؟

هنا قد نكون امام كلمة السر التي يمكنها حل كل أحجيات هذا التذبذب الغريب بين نقيضي الحرب والسلام. وهي (الكلمة) تتضمن جملة واحدة: فك عرى التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران. فهذا الأمر بات مطلوباً بإلحاح الآن، بعد أن وصلت حرارة المجابهة الإيرانية - الأمريكية إلى درجة الغليان، وبعد أن تأكد بأن بدء إعادة الانتشار الأمريكي في العراق سيطلق مجابهات شاملة في المنطقة بين كل أو معظم القوى الإقليمية والدولية التي ستتسابق حينها بأيديها وأرجلها لمحاولة ملء الفراغ الناشئ.

هذا في الغالب السبب الرئيس للقفزات البهلوانية الراهنة على الجبهة السورية. ولأن الطرفين الأمريكي و”الإسرائيلي” لا يريدان في هذه المرحلة قتل الناطور السوري بل مجرد أكل عنب الشام، فهما يقدمان للقيادة السورية وجبتي الحرب والسلام على طبق واحد. وعليها ان تختار.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)