الجدل الدائر في الساحة الصحافية الفلسطينية حول قيام وزارة الإعلام في حكومة الوحدة الوطنية المقالة "منح بطاقات صحافية سوف تصدرها الوزارة لتنظيم عمل الصحافيين" حسب ادعائها لم يخرج حتى ألان عن طور البيانات والتهديدات المتبادلة من قبل الوزارة في غزة وحكومة رام الله، ودخل على خط الخلاف بعض المسؤولين في حكومة رام الله الذين رفضوا ذكر أسمائهم و هددوا بسحب تراخيص أي مؤسسة إعلامية تقدم على الحصول على تلك البطاقات.

الجدل حتى الان انحصر في إطار الكلام والتهديدات المتبادلة، فيما حذرت نقابة الصحافيين، الصحافيين في قطاع غزة من الحصول على تلك البطاقات، وان الجهة الوحيدة التي من حقها منح الصحافيين البطاقات وتنظيم عملهم والدفاع عنهم هي النقابة.

ومع تصاعد الجدل الذي دخل في إطار المناكفات السياسية، و كل طرف يريد فرض شرعيته على الأخر بالقوة، قررت وزارة الإعلام في حكومة رام الله إغلاق مقر فرع الوزارة في غزة حتى إشعار أخر، احتجاجا على ما تعتبره تجاوزات تقوم بها حكومة غزة، حسب التصريحات التي أدلى بها وكيل الوزارة في حكومة رام الله المتوكل طه "لوكالة سما الإخبارية" إن إغلاق المقر جاء بناء على " استباحة الصحافة، والحريات الإعلامية التي يمارسها فرع الوزارة في الحكومة المقالة من فرض بطاقة على الصحافيين الذي يعتبر تجاوزاً خطيراً غير مقبول، وسيعمل على إيذاء وقمع الحريات الصحافية في القطاع، و أضاف أن البطاقة غير معترف بها فلسطينياً أو من أي جهة أخرى".

حال الصحافيين الفلسطينيين كحال باقي قطاعات الشعب الفلسطيني، ونقابة الصحافيين تعاني المشاكل والترهل، وأقحم مجلسها نفسه في الجدل والمناكفات السياسية الدائرة بين طرفي الصراع، والصحافيون في القطاع تم الاعتداء عليهم أكثر من مرة من دون الأخذ بالاعتبار أنهم خارج دائرة الصراع، إلا أن المتصارعين لا يزالوا مصرين على إدخال كل قطاعات الشعب الفلسطيني في دائرة الصراع.

الصحافيون في القطاع استطاعوا قبل الحسم العسكري العمل سويا في التصدي لظاهرة الانفلات الأمني عندما تعرض عدد من زملائهم الصحافيين الأجانب للاختطاف. وكانت قضية "ألان جونستون" مثالا على توحد الجسم الصحافي في قطاع غزة للمطالبة بالإفراج عنه، وعلى رغم الخلاف الذي كان بينهم إلا أنهم كانوا على مستوى المسؤولية في الدفاع عن حقوقهم والدفاع عن حرية الرأي والتعبير، والتوحد خلف التصدي لظاهرة خطف الصحافيين.

ما يجري في الساحة الفلسطينية يثير الخوف والألم على الحال التي وصل إليها الفلسطينيون، خاصة الصحافيين الذين يقحموا في مناكفات وخلافات سياسية، هم ليسوا طرفاً فيها، والصراع الدائر بين حركتي فتح وحماس ينعكس سلبا على عملهم وعلى علاقاتهم الداخلية، ودفع الصحافيين إلى الاصطفاف خلف معسكر يمثله بدلا من الاصطفاف خلف القضية المركزية للفلسطينيين والدفاع عنها.

حركتا فتح وحماس استغلتا الإعلام والصحافيين بطريقة سيئة، وبذل كل طرف ولا يزال أقصى ما يملك من إمكانات لاستغلال الصحافة والصحافيين، والتراشق الإعلامي بين المسؤولين على الصحافة من الطرفين خير شاهد على ذلك وأهدروا تصريحات وهاجموها بكلمات نابية يندى لها الجبين لا تصدر عن مسؤولين مهمتهم فقط تنظيم عمل الصحافيين وتطويرهم والدفاع عنهم، و إدخال كلمات بذيئة جديدة الى قاموسنا تزيد حدة الخلاف والانقسام.

التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان تحدثت عن انتكاسة خطيرة لحرية الإعلام في الأراضي الفلسطينية وأشارت التقارير الى الحال السيئة التي وصل إليها الصحافيون من اعتداءات عليهم من قبل مجموعات مسلحة في ظل حال من الانفلات الأمني، والاقتتال المسلح بين حركتي فتح وحماس على السلطة انتهت بسيطرة حماس على القطاع. وشملت الاعتداءات جميع الصحافيين ووسائل الإعلام التي كانت تنتقدها، والتي لم يسلم منها الصحافيون الأجانب العاملون في وكالات الأنباء العالمية.

ووثقت مؤسسات حقوق الإنسان مئات الحالات من الاعتداءات التي طالت الصحافيين ومؤسساتهم ومن بين هذه الحالات ثلاث حالات قتل فيها صحافيون من قطاع غزة، وفي مقارنة مع الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال في العام 2007، جاءت النتيجة في غير صالح الفلسطينين في الانتهاكات التي نفذت من قبلهم بحق الصحافيين بعد ما كانت قوات الاحتلال الاسرائيلي تتصدر قائمة الاعتداءات، وتمثلت تلك الانتهاكات بمنع الطبع والنشر، إغلاق مؤسسات إعلامية لا تزال مغلقة حتى الأن، وسرقتها، والسيطرة عليها، والاختطاف والتهديد والقتل، و أصبح العام 2007، هو عاماً اسود على الصحافة الفلسطينية من خلال الانتهاكات الخطيرة التي مارسها جميع الإطراف بحق الصحافيين ووسائل الإعلام.

مع كل هذه الانتهاكات والاعتداءات والحال السيئة للصحافيين ونقابتهم تأتي الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الأعلام في حكومة غزة المقالة، لفرض بطاقة على الصحافيين بحجة تنظيم عملهم وخدمة لهم، لتزيد المشهد قتامة أكثر وتعمق الأزمة والخلاف بين الفلسطينيين. ودخول وزارة الإعلام في حكومة رام الله و الرئاسة في الخلاف يزيد من تعقيد المشكلة لا حلها، ويوقع الصحافيين في ورطة جديدة وبدلا من التفرغ لعملهم وتغطية الأحداث بصورة مهنية يتم زجهم في قضايا ثانوية تزيد من حدة الانقسام.

وزارتا الإعلام في الحكومتين الفلسطينيتين وبدلا من الالتفات وتركيز الجهود على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة واستباحة الأراضي الفلسطينية يوميا تبتدعان وسيلة جديدة للمناكفات السياسية وتصفية حسابات قديمة جديدة بينهم، عليهم العودة للمصلحة الوطنية وترك الصحافيين في حالهم والعمل على لم الشمل لا تفريقهم وتعميق ألازمة، وعلى المسؤولين في تلك الفريقين المتصارعين ان يعملا وبسرعة على إزالة الآثار السيئة التي وقعت بحق القضية الفلسطينية وبحق الصحافيين، وإخراجهم من دائرة الصراع.

الصحافيون الفلسطينيون مطالبون بالابتعاد عن المناكفات السياسية والعمل من خلال جسم واحد وهو نقابة الصحافيين، على الرغم من الحال المتردية والسيئة للنقابة الا انه يترتب عليهم العمل موحدين من اجل نقابة واحدة وقوية، تخدم مصالحهم وتدافع عنهم بعد إجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة وشفافة، وإلا سيجد الصحافيون انفسهم معزولين وتداس حقوقهم وبدلا من الدفاع عن حرية التعبير التي هي حق أساسي من حقوق الإنسان سيتم استبداله بالحق بحرية الكلام.

ما يجري خطير ويؤسس للتعدي على الحريات العامة وعلى فرض واقع جديد يتنافى مع ابسط قواعد حقوق الإنسان الذي يتمثل بمحاربة الصحافيين في أداء عملهم اليومي ويؤشر لتخوفات باقي قطاعات المجتمع من فرض قيود على مؤسسات المجتمع المدني. وعلى الطرفين التراجع عن أي خطوات تم و سيتم اتخاذها، بما فيها إنفاذ إصدار البطاقة الجديدة والابتعاد بالصحافيين عن المناكفات السياسية، والعمل سويا لإبراز القضية الفلسطينية كقضية مركزية في الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي.